الشكوي لغير الله مذلة، ولكننا ليس لنا إلا سواه، وهذا ما فعله أعضاء نقابة التطبيقيين في أجدادنا، وإن كانت المساءلة لا تخصني مباشرة، ولكني أحب أن أتحدث بصيغة الجمع والانتماء، فكلنا عائلة واحدة، أو كلنا في الهّم شرق، لكن الأمر الغريب هو ما جاءت به رسالة عم أحمد فؤاد وهو رجل لم أقابله غير دقائق قليلة، لأفاجأ به يقف في احترام يطالبني بأن أجد له حلاً عند نقيب التطبيقيين في أمر وقف المعاش لمن تخطي سن السبعين، ودهشت من هذا الأمر الغريب، وكأننا نقول لأجدادنا: موتوا وارحلوا.. كفاية بقي عيشة. وإذا كانت العيشة نارا، والموت هو النجاة من هذا الجحيم الذي نعيش فيه، لكني لا أعرف لماذا يتوقف المعاش للذين تخطت أعمارهم سن السبعين، والمفروض أن يحدث العكس، وأقصد زيادة الاعتناء بهم والتخفيف عنهم نفسياً ومادياً، وعدم إرهاقهم في الكثير من المواقف التي تدعو للإرهاق والخجل. وعم أحمد فؤاد ليس وحده في هذا الهم، وان كنت أعلم أنه لا يجلس في مكان إلا ويكون موضوع الحديث هو أمر قطع المعاش عنه، بل إن حالة من السخط والاستياء الشديدين سادت أعضاء نقابة التطبيقيين بعد صدور قرارٍ من مجلس النقابة بصرف المعاش النقابي لمدة 5 سنوات فقط علي الأكثر بعد سنِّ الستين، وعدم تجديد صرف المعاش النقابي لمن تم الصرف لهم «أعضاءً وورثةً» مدة 10 سنوات كاملة، وإيقاف صرف المعاش النقابي لمن صرفوا هذا المعاش لمدة 10 سنوات فأكثر؛ وذلك اعتبارًا من 2009/1/1م. وبالنسبة لمن صرف المعاش لمدة 10 سنوات أو أكثر - من تجاوزوا سن السبعين - قرَّر المجلس صرف إعانة لهم تُعادل نسبة 50% من قيمة المعاش النقابي لمدة سنة كاملة؛ تبدأ من 2009/1/1م وتنتهي في 2009/12/31م. والمدهش والغريب في الأمر، صدور قرار آخر في نفس المجلس يُقر بضرورة أن يقوم العضو الذي صرف المعاش النقابي لمدة 10 سنواتٍ كاملةً فأكثر، وتوقف عنه صرف المعاش لانقضاء مدة السنوات العشر، بالاستمرار في سداد اشتراك عضوية النقابة سنويًّا وبانتظام؛ وذلك للتمتع بجميع الحقوق والمميزات المنصوص عليها في قانون النقابة ولائحتها الداخلية، وجميع الخدمات النقابية التي تقدِّمها النقابة للعضو وأسرته، وذلك لاستحقاق صرف مصاريف الجنازة لأسرة العضو وتعويضها بمبلغ 750 جنيهًا عند وفاة العضو، حسب نص محضر اجتماع المجلس. وقد أكون لا أعرف الكثير من لوائح وقوانين النقابة، لكني أتحدث عن قوانين السماء والعدل الاجتماعي والأخوة، وأعرف أن نقابة التطبيقيين ببرجها الضخم العالي في ميدان العباسية، قد تصرف مليون جنيه علي حفل استقبال أو عشاء ضيف، ولا تقوم بصرف معاش لأحد أعضائها بمائة جنيه، وكذلك نعلم «وهو أمر لا يخص نقابة التطبيقيين فقط» أن في استطاعتها - وعنادها - أن تقف ضد أحد أعضائها يلوح بالشكوي أو بحقه، وهي في سبيل ذلك تصرف آلالف الجنيهات علي القضاء والمحامين ضده في مقابل عدم صرف معاشه أو مستحقاته. وإذا كانت تقديرات منظمة الصحة العالمية تقول: إن نسبة 4% علي 6 % من المسنين في العالم يتعرضون لبعض أشكال الإيذاء النفسي أو الجسدي أو العاطفي أو المالي أو بسبب الإهمال، فأنا أعلم أن نقابة التطبيقيين رحيمة بأعضائها، خاصة الذين تخطوا السبعين من عمرهم، وأعلم إن مجموع الأعضاء الذين توقف عنهم المعاش ليس بالعدد الضخم والذي يؤثر في ميزانية النقابة. وإذا كان الأمر الذي نتحدث فيه، يخص نقابة التطبيقيين وقيادتها، لكننا نذكرهم أن الأيام مثلما تعطي فهي تأخذ أيضا، وجميعنا لا نتمني أن تقف في هذا الموقف ونحن في أرذل العمر، خاصة أننا نعلم أن معظم كبار السن والمسنين وأسرهم في مصر قد تتوقف الحياة بالنسبة لهم علي مبلغ مائة جنيه وربما أقل، وقد يكون هذا المبلغ تافها في نظر الكثيرين الآن، ولكن هذا المبلغ قد يكون طوق النجاة بالنسبة للكثيرين، وهي مشكلة نتمني بسعة صدر وفكر قيادات ورؤساء نقابة التطبيقيين حلها وأخذها بعين العطف، فالأمر لا يحتاج إلا أن نرفع أيدينا وندعو الله ونشكو له قيادات نقابة التطبيقيين وبرجها العالي اللذين وضعا أجدادنا في هذا الموقف البائس المخجل.