سنة 1930 .. وقف أستاذ الأساتذة عباس محمود العقاد في مجلس النواب يشير إلى صورة الملك فؤاد ويصيح مهددا : " إن الأمة مستعدة أن تسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته". دفع العقاد ثمن هذه الكلمة شهورا في السجن .. ولكن كلمته كانت أقوى من الملك ومن السجن ومن جيش الإحتلال .. فشرعية الحاكم ترتبط باحترامه للدستور والقانون .. فإن عدا عليها فلا شرعية له .. ولذلك يبدأ أي حاكم حكمه بأن يقسم بشكل علني أن يحترم الدستور .. المجلس العسكري لم يقسم بأن يحترم الدستور .. فوجوده في السلطة أصلا كان معارضا لأحكام الدستور الذي كان قائما وقتها .. شرعية المجلس جاءت عبر تفويض من حاكم خلعه شعبه وكان قراره الأخير (الذي لم يعلنه بنفسه) أن يفوض المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد .. والمجلس العسكري تلقف هذا التفويض وصنع لنفسه شرعية هلامية بالإعلان الدستوري الذي أصدره .. قبل الشعب المصري هذه الشرعية الهلامية على أساس أنها شرعية مؤقتة .. ولكن حتى هذه الشرعية أصبحت تتآكل يوما بعد يوم بعد أن أصبحت البيادة السوداء تدوس على نصوص الإعلان الدستوري وتعتقد أنها فوق الدستور وفوق المساءلة المادة 21 من الإعلان الدستوري تقول بشكل واضح : "التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى" .. والمادة الثامنة من نفس الإعلان تقول بشكل واضح : " لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة"، هذه المواد التي أصدرها المجلس العسكري واعتبر أنها مصدر شرعيته سحقتها البيادة عمدا مع سبق الإصرار .. (كما سحقت مواد أخرى تنظم حالة الطوارئ وتمنع مدها بعد يوم 30 سبتمبر الماضي ومواد تفرض البدء في إجراء الإنتخابات قبل نهاية شهر سبتمبر).. منع المجلس العسكري 15 ألف مصري من اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي وحاكمهم وسجنهم عبر القضاء العسكري .. هؤلاء المصريون ليسوا مسجونين بالمعنى القانوني لأنهم لم يتم إدانتهم من قاضيهم الطبيعي .. هم أقرب إلى الأسرى في سجون المجلس العسكري الذي يصر على أن يسحب شرعيته شيئا فشيئا في كل مرة ينتهك فيها نصوص الإعلان الدستوري الذي كتبه بنفسه وأعلنه بنفسه ولكنه لم يقسم على أن يحافظ عليه أو يحترم نصوصه حسنا فعل الأسير علاء عبد الفتاح عندما رفض الإعتراف بالتحقيق معه أمام النيابة العسكرية وإعتبرها ليست ذات صفة لتحاسبه .. لقد إحترم علاء الإعلان الدستوري الذي داسه من حاكموه وحاكموا عشرات الآلاف من الأسرى المصريين وحرموهم من اللجوء لقاضيهم الطبيعي الحرية لعلاء عبد الفتاح ولكل الأسرى المصريين .. والخلود لكلمة أستاذ الأساتذة عباس محمود العقاد : " إن الأمة مستعدة أن تسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته "