ربما لو لم أكن أقرأ رواية «أصل وفصل» للروائية الفلسطينية سحر خليفة ما تأثرت لهذه الدرجة بموقف المصافحة الذي تم بين الأمير تركي الفيصل- الدبلوماسي السعودي- وداني أيالون- نائب وزير خارجية إسرائيل في ميونخ. أعتقد أنه لو قررت سحر خليفة أن تستكمل أجزاء روايتها ستجد هذا المشهد معبراً تماماً عن استمرار ردود الأفعال الساذجة غير المحسوبة وأفعال الإسرائيليين الواعية والمرتبة. تحكي الرواية عن بداية تغلغل اليهود الصهاينة في الأراضي الفلسطينية عن طريق حكاية أسرة فلسطينية من نابلس. مواقف تبدو بسيطة وشخصية، توضح لنا كيف كنا وكيف كانوا. وبالقياس نستطيع أن نفهم لماذا أصبحنا علي ما نحن عليه الآن. أحد هذه المواقف يحكي أن فلسطينية بسيطة «رشا» ذهبت مع زوجها الفلسطيني- سينضم للمقاومة الإسلامية فيما بعد- «وحيد» إلي الكيبوتس غخشاف ليلتقيا بأم سارة الفتاة اليهودية التي سلبت قلب وعقل زوج أخت وحيد وشقيق رشا في الوقت نفسه. هناك التقت رشا بسارة ودار حوار انتهي بأن خلعت رشا إحدي أساورها وألبستها لسارة. بعد دقائق اكتشفت الفلسطينية الساذجة إلي حد البلاهة، أن اليهودية الذكية خدعتها عندما نهرت الأم ابنتها علي ارتداء الذهب في الكيبوتس وهو ما يخالف مبادئهم وقوانينهم، فأجابت البنت ببساطة أنها ستقوم ببيعها. صرخت الفلسطينية «أسورتي.. كيف تبيعينها؟» وظلت تبكي وتصرخ حتي أخرجها زوجها من كيبوتس مشفقاً عليها لكن بلا حيلة مهزوماً مهموماً. تخيلت المشهد أثناء قراءة الرواية كأنه يحدث أمامي. وتذكرته عندما رأيت الأمير تركي الفيصل علي شاشة التليفزيون يؤكد أن أيالون اعتذر له وأنه قبل الاعتذار بالنيابة عن نفسه وعن التركي أوغلو!! كان الأمير تركي يؤكد أنه لم يرفض الجلوس في اجتماع مع أيالون أصلاً!! وأن تقسيم اللجنة إلي قسمين كان لرفض التركي الجلوس مع الإسرائيلي بعد واقعة إهانة السفير التركي في إسرائيل. المصيبة الأكبر أن الإسرائيلي عندما كان يوجه اللوم للسعودي علي رفضه الجلوس معه، كان أيضاً يوجه له اللوم لعدم تقديم السعودية مساعدات كافية لدعم عباس. اقرأوا سحر خليفة لتعرفوا كيف أننا الآن امتداد لأجدادنا العرب وإنهم امتداد لأجدادهم الصهاينة. يعرفون ما يريدون، ويعرفون كيف يصلون إليه بعدة طرق، ويعرفون متي يستخدمون كل طريق، ويصلون إلي ما يريدون. أما نحن فمازلنا لا نعرف ماذا نريد ومازلنا ننخدع ببساطة، ومازلنا لا نعرف الطريق، ونتخبط في اختياره. ومازلنا نقبل المصافحة ثم نصدر بياناً يؤكد أن المصافحة لا تعني الاعتراف. التقي بطل الرواية بأحد مؤسسي كيبوتس غخشاف أشار إلي شجرة زيتون، وقال نحن زرعناها من عشر سنوات، فاعترض البطل وقال إن هذا الشجر لابد أن يكون قديماً جداً. لم يعترف الرجل اليهودي وأصر علي كذبته بخصوص عمر الأشجار وكتم البطل الفلسطيني غيظه!!