.. نعم في إندونيسيا وليس عندنا، قال وزير الشئون الاقتصادية الإندونيسي المدعو «حتا راجاسا» للصحفيين أمس الأول السبت أن البرلمان يبحث حاليا إقتراحا قدمته الحكومة يقضي باستئجار طائرة تخصص لتنقلات الرئيس «سوسيلو بامبانج يدونيو»، وأضاف الوزير أن الاقتراح يستهدف تجنب أرباك مواعيد رحلات الخطوط الجوية الإندونيسية التي يستخدم رئيس البلاد طائراتها حاليا في تحركاته وسفرياته. وأوضح السيد «راجاسا» أن لجانا في البرلمان تعكف هذه الأيام علي بحث التكاليف التي ستتحملها الخزانة العامة في حال إقرار وتنفيذ إقتراح تأجير طائرة توضع تحت تصرف الرئيس، معربا عن أمله أن يقتنع نواب الشعب بالجدوي السياسية والاقتصادية للإقتراح ومن ثم يعطون موافقتهم عليه في أقرب وقت ممكن. أما رئيس لجنة الموازنة في البرلمان الإندونيسي (المعادل غير الموضوعي لأحمد «حديد» عز بتاعنا) فقال أن استئجار طائرة تخصص للرئيس سيكبد ميزانية البلد حوالي 200 ألف دولار في السنة (أكثر قليلا من مليون جنيه مصري)، وشدد علي أن لجنته البرلمانية مازالت تدرس الموضوع ولم تبت فيه بعد !! إلي هنا انتهي الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام، وهو كما تلاحظ يكشف بجلاء عن حزمة كبيرة من الحقائق التي لو فصصتها حضرتك فسوف تدرك فورا مدي التخلف (فضلا عن البخل والتقشف الفظيعين) الذي تتردي فيه دولة إندونيسيا الشقيقة قياسا علي التقدم والبغددة والفنطزية والعيشة الهنية التي يعيش ويرفل فيها رؤسائنا وحكامنا والمحروسين من العين أولادهم كمان . عن نفسي ومن باب الكرم الزائد سأتطوع حالا بمساعدة معاليك علي لملمة واصطياد تلك الحقائق، وأبدأ بما هو ظاهر منها وأولاها أن في أندونيسيا «برلمانا» أصلا، لايمت بأية صلة قربي للشئ «الموقر» الذي نستمتع عندنا بعروضه الهزلية المسلية (أحيانا) في شارع قصر العيني، والثانية أن الإندونسيين أصيبوا منذ سقوط نظام الديكتاتور «سوهارتو» في العام 1998 بأعراض ديموقراطية حقيقية تطورت وتفاقمت حتي صار الرئيس عندهم يأتي عبر انتخابات حرة ونزيهة، أي ليس علي الطريقة الخرافية الموجودة في المادة 76 بتاعتنا، كما أضحي الشعب في إندونيسيا يعرف موعد دخول الرئيس قصر الحكم وكذلك موعد خروجه منه بالسلامة، إذ يفرض الدستور سقفا لا يتجاوز ولايتين رئاسيتين اثنتين مدتهما مجتمعتين عشر سنوات فقط لاغير !! ورغم أن النظام السياسي القائم حاليا في إندونيسيا من النوع الذي يسميه فقهاء النظم الدستورية والسياسية «نظاما رئاسيا» يمنح الرئيس إختصاص شبه احتكاري في رسم وتصميم السياسات الخارجية للدولة، إلا أن القيود الديمقراطية الرذلة والعقيمة تجعل رئيس البلاد عاجزاً عن اتخاذ قرار بشأن الوسيلة التي يستخدمها في أسفاره وتنقلاته قبل الحصول علي موافقة نواب الشعب الذين هم أيضا منتخبون، بكل أسف!! أما الحقائق المستترة وغير الظاهرة في سطور الخبر آنف الذكر، فأهمها أن إندونيسيا بلد كبير جدا يبلغ تعداد سكانه 230 مليون نسمة (فيه أكبر تجمع للمسلمين في العالم)، وتبلغ مساحته نحو 2 مليون كيلو متر مربع (ضعف مساحة مصر) لكن هذه المساحة موزعة علي أكثر من 17 ألف وخمسمائة جزيرة (يحتاج الرئيس لزيارتها والتنقل عبرها إلي أسطول كامل من الطائرات)، ويتوفر هذا البلد حاليا علي أكبر إقتصاد في أقليم جنوب شرق أسيا الناهض بأثره وقد قفز إجمالي الدخل القومي الذي يحققه سنويا إلي ما يزيد علي نصف ترليون (الترليون ألف مليار) دولار، يعني ستة أضعاف دخلنا القومي نحن «المصريون أهمه» .. ومع ذلك فالرئاسة عندهم لا تملك طائرة خاصة بينما المؤسسة الرئاسية عندنا تتبختر رائحة غادية وتسوح في شرق العالم وغربه (مشكورة ومضطرة ياعيني عشان مصر) بطائرة خصوصية واحدة علي الأقل فادحة الثمن والتكاليف والحجم!! هذه الحقائق والأرقام إذا وضعتها سيادتك في مكان أمين وحصين من رأس جنابك وعدت لنص الخبر المنشور أعلاه ورأيت كيف أن البرلمان الإندونيسي أظهر بخلا وتقتيرا شديدين ومقرفين لدرجة أنه مازال حتي الساعة يفكر ويفكر في أقتراح استئجار طائرة للرئيس لاتتعدي كلفة تنفيذه مليون جنيه مصري في السنة، فقد يطير عقلك مع العصافير المحلقة فوق أسوار مستشفي العباسية، أو تقتنع بأن المسافة من «شوارب» حضرتك ل «شرم الشيخ» أبعد كثيرا جدا منها إلي العاصمة الإندونيسية «جاكرتا».. وشرفت الشوية دول!!