.. لا أخشي الموت!! .. فالموت والميلاد أمور لا يمكن أن تتحقق أو تُعجل أو تتأجل بقرار جمهوري!! .. طبيعة الدنيا.. أننا نجيء ثم نذهب!! المهم هو ماذا نفعل بين المجيء.. والذهاب! .. فيموت ملايين البشر كل يوم، معظمهم كأنهم لم يجيئوا، ولم يذهبوا، وقلائل منهم يذهبون ويبقون في ضمائر الناس، أحياء، يرزقون، لا يملك التاريخ أن يُسدل عليهم ستائر النسيان!! .. في الحياة أحياء هم أموات يتنفسون!! وفي القبور أحياء لا يموتون أبداً!! .. مثلاً: من يقود شعبه نحو الحرية أو النصر أو الإصلاح لا يموت، ولو قطعت رقبته أو انقطع نفسه!! .. من يترك علماً أو عملاً نافعاً لغيره يظل حياً ينبض بالحياة طالما ظل اختراعه أو علمه أو عمله يُذكر بالخير بين الناس. .. هذا الأسبوع تمر الذكري «الرابعة» علي وفاة النائب والقاضي والمحامي والإنسان والأستاذ العظيم عادل عيد، حقاً طوبي لمن يموتون وهم يرفعون مشاعل الحرية، تنطفئ عيونهم، تنحسر الأضواء عنهم، ولكن تظل أعمالهم ومواقفهم تتكلم عنهم، تبث الضوء والأمل والشرف في نفوس غيرهم وتظل!! .. عندما قرأت كتاب «المضابط تتكلم» وأنا طالب في نهاية السبعينيات، تتلمذت علي يد ومواقف عادل عيد قبل أن أراه!! وعندما زاملته في البرلمان تتلمذت أكثر علي يديه ومواقفه وعلمه وخلقه!! وعندما رحل عنا وأنا في سجني عام 2006، شعرت أن قطعة عزيزة من أرض مصر رحلت!! .. آخر مشهد مازال ماثلاً في ذاكرتي لأستاذي الحبيب عندما وقف أمام محكمة جنايات القاهرة أمام عادل عبدالسلام جمعة، القاضي الذي حاكمني، وخلع عادل عيد روب المحاماة وجمعه بين يديه وألقاه في وجه المحكمة معرباً عن رفضه الظلم ولعنته علي الظلمة!! .. عندما كان الحديث عن مخاطر التوريث أمراً مسكوتاً عنه ومنطقة حمراء محظور الوصول إليها أو ملامستها أو الحديث عنها قدَّم عادل عيد أول طلب إحاطة في البرلمان عن صلاحيات جمال مبارك!! .. كان الفارس الأول دائماً الذي يفجر الألغام في أدب وعلم وثبات ويقين ، كان ملاكاً للوطنية المصرية، يحمل فوق رأسه عمامة ابن حنبل، ويضع الدستور علي يمينه والقانون علي يساره والإيمان بالله في قلبه، ومصر بين عينيه!! كان قلباً من الألماس، وعقلاً من الذهب وإرادة من الفولاذ. .. إذا أرادت الحملة المصرية ضد التوريث أن تكرم فرساناً ضد التوريث لابد أن يكون اسم عادل عيد هو الأول دون منافس!! وإذا أرادت مجموعة مصريون ضد الفساد أن تكرم فرساناً ضد الفساد فلابد أن يكون عادل عيد هو الاسم الأول!! وإذا أردنا أن نختار أفضل برلماني في الربع قرن الأخير فلا غيره عادل عيد!! .. أذهب أسبوعياً لزيارة مقبرة أمي في منطقة المنارة بالإسكندرية، ولا أملك في كل زيارة إلا زيارة قبر عادل عيد، وأحياناً لا أقاوم رغبتي في الحديث إليه والاستمتاع باسترجاع صورته الملائكية في عيني أو صوته الدافئ في أذني ومنطقه القويم في عقلي!! .. إذا كانت أمي وكان أبي مدرستي الأولي، وكان الدكتور الشافعي بشير أمد الله في عمره أستاذي في العلم والخلق، وكان مصطفي شردي أستاذي في الصحافة، وفؤاد سراج الدين أستاذي في السياسة.. فقد كان عادل عيد رحمه الله هو أعظم كتاب طالعته في حياتي!! وأكبر مدرسة زاملتها في رحلتي. .. إذا كان بعض الأطباء يكتبون علي لافتاتهم المثبتة خارج عياداتهم عبارة زميل كلية كذا.. فأنا أشرف وأفخر أن أثبت أنني زميل لمدرسة عادل عيد البرلمانية وتلميذ في مدرسته الأخلاقية!! .. في ذكراه الرابعة أدعو لجمعية أهلية باسمه لتنمية الثقافة البرلمانية!! فهل تشاركونني الدعوة؟!