بينما عرس الكتاب السنوي لا يزال منصوباً تحت خيمة معرض القاهرة الدولي للكتاب، طالعتنا صحف الأمس بخبرين محزنين يتعلقان بمصادرة روايتين، الأولي عنوانها «الزعيم يحلق رأسه» وقد تمت مصادرتها بواسطة شيء يدعي «مباحث المصنفات الفنية» التي قامت بإلقاء القبض علي صاحب دار النشر الصغيرة مُصدرة الرواية وأحالته للنيابة، وبعد أن حققت هذه الأخيرة مع الرجل أفرجت عنه وأرسلته لقسم الشرطة ومنه للمباحث مرة أخري في مسلسل تنكيل وبهدلة لايليق بنشال وليس ناشراً للكتب .. أما الرواية الثانية «مترو» فقد صودرت من عامين بالطريقة المشينة نفسها، لكن الحكم النهائي (حكم محكمة الاستئناف) القاضي بتأييد مصادرتها وعقاب مؤلفها وناشرها بغرامة خمسة آلاف جنيه لكل منهما، صدر الخميس الماضي !! وكانت الحجة في مصادرة رواية «الزعيم يحلق رأسه» أنها تتضمن إساءة للعقيد معمر القذافي (!!) فيما التهمة الموجهة لرواية «مترو» أنها احتوت ألفاظاً وعبارات تخدش حياء المباحث وتخل بأدبها الجم المشهور .. وكما تري حضرتك، فالحجتان أقبح وأسخف من ذنب المصادرة نفسه !! ورغم أن إحدي الروايتين المعنونة «مترو» كانت ومازالت في حوزتي منذ صدرت إذ تكرم مؤلفها وأرسلها إلي العبد لله آنذاك، فإنني لم أقرأها ولم أقرأ أيضاً رواية «الزعيم ..»، بل ولا أظن أنهما ستكونان علي جدول أولويات قراءاتي في المستقبل المنظور، رغم ذلك حزنت حزناً شديداً لخبر مصادرة الروايتين وبهدلة كاتبيهما وناشريهما بعدما ذكرني بالمسافة الشاسعة التي تفصل مجتمعنا الراهن عن التمتع بالحقوق والحريات الأساسية ومنها حرية رأي وتعبير حقيقية مصانة ومحمية من المصادرة والتعامل بالبوليس والمباحث والنيابات ومحاكم الجنح مع منتجات العقل والفكر والإبداع. ولعل ما يزيد من حزني وجزعي (حتي لا أقول يأسي) أنني أكاد أسمع الآن وأنا أكتب هذه السطور ثمة من يقول مثلا إنه قرأ إحدي الروايتين المصادرتين ولم ترقه ولم تعجبه وأن رأيه فيها أنها دون المستوي سواء في الشكل والبنيان الفني أو في المضمون، والحال أنه ليس أسوأ من المصادرة ولا أشد منها مدعاة للشعور بالحسرة والعار إلا كلاماً من هذا النوع عندما يقال بمناسبة الحجب القسري لأي مطبوعة عن التداول الحر بين أيدي الناس فيستسيغها البعض ويرفضها آخرون دون وصاية .. والأمر هنا يتعلق بثقافة مشوهة ومشينة بقدر ما تشي بغباء وتخلف أصحابها ومروجيها الذين يفتقدون الوعي والبصيرة السليمة فيعجزون عن إدراك حقيقة أن مبدأ الحرية بطبيعته غير قابل للتجزئة ويأبي الانتقائية والتعامل معه كما كان الوثنيون القدماء يتعاملون مع أصنام آلهتهم التي يصنعونها من «عجوة» ويبقوا يعبدونها حتي إذا ما جاعوا و«صوصوة» عصافير بطونهم أكلوها!! إذن .. اعلم رحمك الله، أنك عندما ترتكب اليوم خطيئة تبرير وتسويغ مصادرة وحجب آراء وأفكار وإبداعات لاتعجبك، فإنك في اللحظة نفسها تضع الأساس القوي لمصادرة أفكارك وآرائك أنت غداً لأنها قد لاتروق ولا تعجب آخرين .. ياعزيزي، المصادرة مثل الكفر تماما ملة واحدة لا يجملها ولا يقلل من قبحها وشذوذها أي ذرائع أو تعلات، واعلم كذلك أن الحرية تكاد شرعتها تحمي الآراء والاجتهادات الخاطئة قبل الصائبة، لأن رأيي أنا صواب يحتمل الخطأ ورأيك أنت خطأ يحتمل الصواب و.. صدق الإمام الشافعي.