نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية أمس الاثنين تقريرا عن الأوضاع الأمنية في سيناء جاء فيه إن الهجمات الأخيرة عبر الحدود في إسرائيل أثارت مخاوف من انعدام حكم القانون في شبه جزيرة سيناء. وكتب مراسل الصحيفة من مدينة العريش يقول: "أشار رجل يطلق على نفسه لقب أبو نفق، كان يجلس على حافة رملية تشرف على أحياء غزة، إلى صف من البيوت ذات اللون الأصفر تقع وراء السياج الحدودي المصري تماما". قال في إشارة إلى الغارة الجوية الاسرائيلية ردا على الكمين الذي نفذه مسلحون في جنوبي اسرائيل :"هذا هو المكان الذي قصفه الاسرائيليون قبل أيام قليلة". وبحسب الاسرائيليين، فإن المسلحين الذين قتلوا ثمانية أشخاص قرب منتجع إيلات على البحر الأحمر جاءوا من غزة- وربما تسللوا عبر أنفاق التهريب المتعددة التي تؤدي لبلدةة رفح المصرية. وإذا كان متاحا لأحد معرفة الحقيقة، فلا بد أنه أبو نفق الذي تعتمد معيشته على شبكة ممرات تحت الأرض تستخدم لنقل البضائع إلى قطاع غزة المحاصر. واضاف: "خلال ثورة 25 يناير كان المئات من الغزيين يحضرون إلى القطاع. الآن تقلص العدد إلى ما بين 60-70 شخصا كل يوم. وبالطبع من الممكن أن يكون مهاجمو إيلات قد مروا عبر الأنفاق. لكن لا بد أن يكونوا حصلوا على مساعدة البدو الذين يعيشون هنا، لأنهم سيصادفون نقاط تفتيش في كل مكان وطرقا ليسوا معتادين عليها". وقد وقع هجوم الأسبوع الماضي بعد أيام قليلة فقط من نشر المجلس العسكري المصري الحاكم- الذي تسلم السلطة بعد تنحي رئيس مصر المخلوع حسني مبارك في شباط (فبراير)- المئات من الدبابات في شمالي سيناء عقب اندلاع العنف في العريش،عاصمة المحافظة. وبعد هجوم إيلات أضيفت تعزيزات للقوة التي نشرت. وكانت اسرائيل في حالة قلق إزاء جارتها منذ سقوط حليفها مبارك، وألمحت إلى أن المجلس العسكري فقد السيطرة على سيناء. وتصاعد التوتر عندما قتل خمسة جنود مصريين خلال الرد الاسرائيلي على الهجوم، ما أشعل احتجاجات غاضبة امس خارج السفارة الاسرائيلية في القاهرة. لكن جولة قامت بها "ذي اندبندنت" شمالي سيناء اشارت إلى أن الصورة أكثر غموضا من الرواية الرسمية التي قدمها الجنرالات المصريون والقادة في تل أبيب. وكما ادعى الاسرائيليون، لا شك في انه كانت هناك بعض التحركات من جانب ناشطين فلسطينيين عبر الحدود. لكن البعض يرى أن تهديد "القاعدة" مبالغ فيه. وقال مسؤول عسكري في شمالي سيناء للصحيفة إنه ليس صحيحا أن الجيش المصري يطارد متطرفين اسلاميين يستلهمون أفكار شبكة بن لادن الإرهابية، وأضاف: "هناك تعاطف شديد مع الإسلام هنا، ولكن لا وجود للقاعدة". لكن يوجد شيء لافت هنا. فقد حاصر مسلحون يوم 29 تموز (يوليو) نقطة الشرطة في العريش وخاضوا معركة استمرت 9 ساعات في نفس اليوم الذي اعتصم فيه الآلاف من المسلمين المحافظين في ميدان التحرير مطالبين بدور إسلامي أكبر في مصر ما بعد مبارك. وشن عدد من المهاجمين هجمات بقاذفات "آر بي جي" على المجمع الذي ترتفع أسواره أربعة أمتار، ولكن بعض المهاجمين نجوا من دون أن يلحق بهم أي اذى. وعلى هذه الخلفية- فضلا عن العديد من الهجمات الغامضة بالقنابل على أنبوب الغاز الواصل لاسرائيل- أرسل الجيش مدرعاته إلى المنطقة. وأخبر سكان محليون شاهدوا القتال صحيفة "ذي اندبندنت" أنهم يعتقدون أن المهاجمين يحظون بدعم محلي. وقال أحدهم وهو طبيب ذكر أن اسمه حسام: "الاشخاص الذين هاجموا مركز الشرطة كانوا سكانا محليين من العريش. واستخدموا أسلحة حصلوا عليها من العائلات الكبيرة هنا". فكرة أن السكان المحليين الذين يعانون من مظالم حكومية هم المسؤولون عن العملية لها قدر من المصداقية. فقد ظلت صحراء سيناء الشاسعة بعيدا عن سيطرة السلطة المركزية المصرية لعدة سنوات. ويسيطر البدو الذين لا يتقيدون بالقانون على بعض المناطق الوسطى، بينما لم يكن الشمال الحضري يحتفظ باحترام يذكر لمبارك أو رجال شرطته. ومع ذلك، كما أضاف حسام، فإن عددا من المهاجمين كانوا من الأصوليين السلفيين، وهم مسلمون متشددون نبذوا السياسة في عهد مبارك، لكن نشاطهم تصاعد بعد الإطاحة به. ويؤيد يحيى ابو نصيرة، وهو شيخ قبيلة من رفح، وجهة النظر هذه مضيفا أن الخطر السلفي الأصولي في تزايد. وقال: "السلفيون يريدون الانفصال عن مصر وإقامة دولة إسلامية انطلاقا من هنا. وبعد ذلك سيتجهون من مدينة إلى أخرى. وهذا هو السبب في الحوادث التي وقعت في العريش". ووجه آخرون في العريش إصبع اللوم نحو "جماعة التكفير والهجرة"، وهي جماعة سرية انشقت عن الإخوان المسلمين، وتتهم بتنفيذ هجمات مسلحة في أرجاء العالم منذ أواسط التسعينات. وربما ليس من المستغرب أن شيخا سلفيا في العريش قد نفى أن أتباعه هم المسؤولون عن أي عنف. ويقول مصطفى عازم إن "البلطجية والمجرمين في سيناء هم الذين هاجموا مركز الشرطة، وليس السلفيون". وهناك آخرون غير مقتنعين ايضاً. اذ قالت لينا عطا الله، مديرة تحرير صحيفة "المصري اليوم" والتي قضت سنوات في تغطية انباء المنطقة المحيطة بالعريش انها تشعر بالشك بشأن خطر "امارة اسلامية" في سيناء، مضيفة "ان مثل هذا الحديث ينطوي على مبالغة شديدة. كما انني اشعر بشك في ما يتعلق بخطر القاعدة". وصارت العريش نفسها تحت نفوذ اسلامي متزايد منذ سقوط مبارك. وهي ما زالت مدينةً سياحية، ولكن النساء المنقبات اللواتي تغص بهن الشوارع في الليل خلال رمضان يضفين عليها طابعاً ريفياً واضحاً. وبينما يبدو حديث الحكومة عن "القاعدة في سيناء" مبالغاً فيه، فان من الواضح ان المجلس العسكري قد شعر بخضةٍ نتيجة التطورات هناك. وربما كان المجلس يخشى فعلاً نفوذ التيار الاسلامي المتشدد. وربما اراد، كما اوحى البعض، استعادة السيطرة على شمال سيناء بعد ستة اشهر تبخرت خلالها سلطة الشرطة ودخل البدو ليملأوا الفراغ الناجم عن ذلك. واياً يكن الامر، فمع قرقعة الاسرائيليين بالسلاح عبر الحدود بعد هجمات الاسبوع الماضي، وتعبير المصريين عن سخطهم ازاء رد فعل تل ابيب، فإن صحراء سيناء - التي كثيراً ما كانت مسرح اكثر صراعات الشرق الاوسط محوريةً – صارت على الخط الامامي مرةً اخرى.