عندما إندلعت الثورة شعر المصريون كافة أن فجر جديد أخذ فى البزوغ، وعصر من الازدهار والتطلع نحو مستقبل أفضل قد بدأ بالفعل، ليطيح بعهد مظلم شابه الإضطهاد والفساد الذى استشرى ليغطى جميع مؤسسات الدولة... من ضمن هذه المؤسسات التى سعت عصابة مبارك للسيطرة عليها بكل ما لديها من قوة هى النقابات المهنية التى تتحكم فى معظم من يمثلون الدولاب الوظيفى والعمالى للدولة من الطبقة الوسطى فى المجتمع المصرى، فأسندت المسئولية بالتبعية إلى رجالهم ممن ينتمون إلى الحزب المنحل، ويستحوزون على رضى جهازه الأمنى . مع الإطاحة بزعيمهم المخلوع توقعنا أن يقوم هؤلاء بالإنسحاب من المشهد النقابى والسياسى حفظا لماء الوجه، ولكنهم لم يفعلوا.. وكأنهم فى ذلك يخرجون ألسنتهم إلى المجتمع بأثره ويتمسكون بكرسى هش وترنح على طريقة " فيها يا أخفيها" !! ألا يعلم هؤلاء أن المحكمة الدستورية العليا قد حكمت فى يناير الماضى بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1993 المنظم لانتخابات النقابات المهنية، والذى كان يرتكز عليه هؤلاء ال 24 نقيبا الذين جاء بهم جهاز أمن الدولة اللعين على رأس هذه النقابات ؟! ولكن بعد الثورة تبدلت الأمور، فلم تنفع هؤلاء علاقاتهم (المريبة) برموز النظام البائد فى تسيير شئون النقابات التى قبعوا على رأسها وعلى صدور أعضاءها لفترات طويلة، ولدورات إنتخابية عدة.. فوجدوا أنفسهم محاصرين بمطالبات التخلى عن كرسى النقابة . كل ذلك (الذى تحدثنا عنه) يحدث بالضبط فى النقابة العامة للمرشدين السياحيين، حيث يجسم على صدرها السيد محمد غريب نقيبا لما يقرب من 11 عاما، كان أقصى ما إستطاع أن يقدمه خلالها هو إلغاء تصريح روتينى كان على المرشد السياحى أن يستخرجه عند مغادرته للعمل خارج المنطقة المقيد بها.. يا سلام!! هذا (الإنجاز) وغيره مما حققه الرجل من فتات لا يثمن ولا يغنى من جوع، لا يتناسب نهائيا مع 11 عاما فى منصب النقيب، كما أنه جاء (إحقاقا للحق) بشق الأنفس بعد التطنيش المستمر وعدم الإستجابة التى كان يلاقيها الرجل من شلة الحرامية التى لم تكن لتسمح لأحد بالمطالبة بأدنى حقوقه فى طول البلاد وعرضها.. وأخيرا، وبعد عناء، وجد السيد النقيب ضالته فى رجل ساعده فى الضغط لتحقيق هذا الإنجاز الذى سبب لكل مرشد سياحى صداعا مزمنا من جراء كثرة مفاخرة السيد النقيب به.. هذا الرجل هو دكتور مفيد شهاب.. أنعم وأكرم ! بس المصيبة الكبرى بقى هو عندما تعلم أن السيد النقيب مازال يمارس سياسات النظام البائد بحزافيرها، وكأن الثورة قد إنفجرت لتغير وجه الوطن، بينما كان الرجل فى الحمام ساعتها ! حيث قام السيد غريب بتوجيه الرأى العام الإرشادى تجاه تعويضات مالية وهمية تقدر بألف جنيها لكل مرشد سياحى، وألفا أخرى يتم إستلامها فى مدة تتجاوز ال 10 سنوات.. فى حين أن المرشدين السياحيين (الذين ينظرون لأنفسهم على أنهم سفراء بلادهم فى الداخل) مازالوا يعانون من الأثار المادية والمعنوية لضياع مصدر رزقهم الوحيد منذ إندلاع الثورة وحتى يومنا هذا كنتيجة طبيعية لعزوف ملايين السائحين عن زيارة مصر فى ظل هذه الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد.. يبقى أكيد الراجل دة بيهزر!! ونتيجة لتعدد مراسلات مجلس النقابة (الموقر) إلى وزارة السياحة بخصوص إيجاد ألية لصرف هذه الثروة الطائلة التى ينتظرها كل مرشد بلهفة وشوق شديدين، فقد أجبر وزير السياحة مجلس النقابة لدعوة السادة المرشدين لحضور إجتماع جمعية عمومية غير عادية لمناقشة هذا الأمر والحصول على الموافقة من قبل الأعضاء حتى يتم الصرف.. وهو ما لا يصح نصا أو تصريحا أو تلميحا لما فى ذلك من إهانة للنقيب (كرمز لجميع المرشدين) والمجلس وأعضاء جمعيته العمومية من قبل وزير السياحة السيد منير فخرى عبدالنور.. ولكن كالعادة قام الرجل بالإنصياع للأوامر و قرر الدعوة لإنعقادها . فى نفس التوقيت كانت هناك مجموعة من المرشدين السياحيين الشرفاء تعمل بجد وإصرار على تغيير القانون رقم 121 لسنة 1983 المنظم لعمل المرشد السياحى، وقد نجحت هذه المجموعة (التى أطلق عليها مجموعة الأربعاء) فى إخراج نص للقانون يليق بعمل سفراء مصر فى الداخل إلى النور، تمهيدا لعرضه على الجهات المختصة يليها مجلس الشعب القادم.. ولحفظ ماء الوجه، وتجنبا للدعوات التى تزايدت لسحب الثقة من مجلس النقابة الحالى (رغم هذه الدعوات فى جمع أكثر من 100 توقيع كما ينص القانون بشأن سحب الثقة من المجلس).. تجاهل الرجل كل ذلك، وصهين أيضا عن مناقشة الميزانية الخاصة بالنقابة لعام 2010 – 2011 والتى لم تطرح للنقاش على الإطلاق منذ عام 2007.. فقط كل ما قام به هو إدراج موضوع تغيير القانون على جدول الأعمال، وبيت النية لإفشالها . هنا يجب أن نتوقف قليلا فقط لحصر المخالفات الإجرائية، والخروقات القانونية، والمصايب السودة التى قام بها الرجل ومجلسه فيما يخص الدعوة لإنعقاد الجمعية العمومية، حيث عمل على إخطار الأعضاء بميعاد الإجتماع عن طريق نشر إعلان فى الجريدة الرسمية بالشىء الفلانى مستندا فى ذلك إلى القانون رقم 100 لسنة 1993 (اللا دستورى أصلا طبقا لحكم المحكمة )، كما خالف القانون رقم 121 لسنة 1983 عندما أرسل خطابى دعوة لحضور الجمعية العمومية إلى بعض المرشدين فى حين أن الكثيرين لم يصلهم ولو خطاب واحد، وأيضا عندما لم يرفق نص جدول الأعمال (القانون المطلوب تعديله) مع هذه الخطابات.. ألم يعلم السيد النقيب ومجلسه (الموقر تانى) مسبقا أن كل هذه الأفعال تعتبر خرقا صريحا للقانون ؟! ألم يعلم أيضا أنه بذلك يضع كل العراقيل فى سبيل إكتمال النصاب القانونى الكاف لإنعقاد الجمعية العمومية ؟! طيب، لم يكتمل النصاب، وفشلت الجمعية العمومية الأولى (كما كان متوقعا) التى إنعقد اجتماعها بإستاد القاهرة الدولى يوم 15 يونية الماضى.. لذا كان لزاما على المجلس أن يختار موعدا أخر ليعقد فيه جلسة الإعادة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إنعقاد الأولى . هنا يجب أن أوجه سؤال مهم للسيد النقيب : ألست يا سيدى من عشاق كرة القدم ومريديها ؟ ألست على إستعداد بأن تلقى بمجموعة السائحين التى تعمل معها فى النيل إذا كانوا سببا فى تعطيلك عن مشاهدة مباراة ما ؟ لابد أنكم تتسائلون الأن : وما علاقة كل ذلك بكرة القدم ؟! العلاقة وطيدة للغاية، فقد قام السيد النقيب بإختيار يوم 29 يونيو الماضى، وإستاد القاهرة أيضا ليكونا زمانا ومكانا مناسبين (من وجهة نظره) لإعادة إنعقاد الجمعية العمومية، وهما (كما نعلم جميعا) نفس الوقت والمكان اللذان أقيمت فيهما مباراة القمة بين فريقى الأهلى والزمالك، أى أن الرجل لم يكن يجهل بميعاد المباراة مسبقا.. المهم، وعند الدعوة إلى تغيير اليوم والمكان خوفا من عواقب ما سوف يحدث هناك، رفض الرجل وأدعى أن المجلس العسكرى هو من أجبره على عقد الجمعية العمومية فى هذا اليوم، رغم علمه المسبق أن إنعقاد هذه الجمعية سوف يكلف ميزانية النقابة (بحسب السيد النقيب) ثمانون ألفا من الجنيهات، وبالطبع لم يحضر هذا الإجتماع سوى 251 عضوا وهو ما يمثل 10 % فقط ممن كان منتظر حضورهم لإكتمال النصاب القانونى .. أنا لست أهزى.. ولكن "نعم" الرجل فعل ذلك !! الغريب فى الأمر هو أن السيد غريب كان قد فعل نفس الشىء عندما قام بالدعوة لحضور إجتماع الجمعية العمومية التى إنعقدت فى يوم 8 سبتمبر عام 2007 فى نفس اليوم والمكان (إستاد القاهرة) الذان أقيمت فيهما مباراة الأهلى والإسماعيلى فى بطولة السوبر المصرى.. ما يضحكنى هنا ليس محاولة الرجل إفشال إجتماع الجمعيتين على الطريقة الخايبة للحزب البائد، ولكن تكرار نفس الأسلوب فى اللف والدوران الذى أصبح مفضوحا لدى مجرد الطفل الصغير.. طب كنت جيتلى كنت هظبطك، أحسن ما تبوظ الطبخة وتفوح الريحة بالشكل دة ؟! أضف إلى ذلك ما يتردد من داخل النقابة عن مشروع القانون الجديد الذى يتم تجهيزه الأن سرا بواسطة أحد المحاميين، وذلك سعيا لإجهاض مشروع القانون الخاص بمجموعة الأربعاء خوفا من الشهرة والإحترام والتقدير الذى إكتسبه هؤلاء.. مصيبة ليكون ناوى يرشح نفسه تانى.. !! ولكننا يجب أن نتفهم السبب وراء تمسك الرجل بالمنصب وخاصة عندما نعلم أنه ربما ينتوى الترشح لفترة رئاسية جدي.. قصدى الترشح فى الإنتخابات البرلمانية المقبلة عن دائرة مسقط رأسه بمحافظة الشرقية.. لذا فإنه يعتقد أن تخليه عن منصبه النقابى الأن سيكون له مردود سلبى للغاية على طموحاته السياسية التى يسعى لتحقيقها . أما ما دفعنى حقيقة إلى فتح هذا الملف الأن هو أن السيد غريب يقوم حاليا بعمل غريب أخر وهو إقامة إنتخابات مجالس النقابات الفرعية بالتتابع.. وما الغريب فى ذلك ؟! الغريب فى ذلك هو أن هناك مجموعة من المرشدين قامت بإخطار السيد النقيب بأنها قد بدأت التحرك قانونيا لإسقاط المجلس الحالى.. وما لا يعلمه الرجل هو أن هذه المجموعة تقوم بذلك بالتعاون مع مهندس عملية الإسقاط الشهيرة التى شهدها مجلس نقابة المحاميين وهو إبراهيم فكرى إبراهيم المحامى الذى أصبح أشهر من النار على العلم بعد نجاحه فى عمليته الأولى، بل وقام الرجل بعرض خدماته على هذه المجموعة بلوشى (من دون تقاضى أية أتعاب).. وتتلخص هذه الخدمات فى رفع دعوى قضائية تدعو لإسقاط المجلس الحالى.. وهو ما يعنى (فى حال إذا حكمت المحكمة بذلك) بطلان نتائج الإنتخابات الفرعية التى حدثت فى عصر هذا المجلس، وإعادتها من جديد.. ليس هذا كل شىء بل سينظر لها أيضا على أنها إهدارا للمال العام نتيجة لعدم إستجابة السيد النقيب ومجلسه للنداء بالتوقف عن إقامة هذه الانتخابات ولو مؤقتا، إنتظارا لما سوف تقضى به المحكمة فى هذا الشأن . النصيحة إذا للسيد النقيب وأعضاء المجلس المحترمين الأن هى الإستجابة إلى الأصوات المعتدلة التى تدعوكم إلى التخلى عن السياسات المباركية القديمة فى التمسك بالمنصب، وتقدم لكم فرصة تاريخية للخروج أبطالا مرفوعى الرأس.. عن طريق عقد إنتخابات مبكرة على مقاعد النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة أسوة بالنقابات الأخرى التى فعلت ذلك بالفعل فى ماض ليس ببعيد.. الإنتخابات المبكرة التى هى بمثابة النتيجة الطبيعية لسقوط القانون رقم 100 لسنة 1993 الذى بنى على سقوطه إنهيار الشرعية القانونية التى كانت تستند عليها جميع مجالس النقابات المهنية فى مصر، لذا فإنه طبقا لطبيعة الأشياء يا سادة.. ليس بعد الشرعية حكم !!