يزداد يقيني يوماً بعد يوم بأن الأديان هي رسالات خير ومحبة، وبالقدر نفسه يزداد يقيني بأن رجال الدين في غالبيتهم هم رسل خراب وفرقة وبغضاء. كلما رأيت شيخاً أو داعية، قسيساً أو مبشراً يسكن في قصر ويأكل بغاشة ويقتني أسطولاً من السيارات أدركت أن أرباح التجارة في الدين تفوق أرباح تجارة السلاح والمخدرات مئات المرات، وأيقنت أن خراب مصر سيكون علي يد أولئك الذين أقاموا من أنفسهم جسوراً بين العباد وبين الجنة ولا يستطيعون أن يفهموا أن بوسع إنسان أن يتقرب إلي الله بدونهم وأن يصل إلي الجنة دون أن يكونوا جزءاً من حياته، كما لا يستطيعون أن يتخيلوا مصر وطناً للحرية والعدالة، حيث إن سيادة قيم من هذا النوع تضرب بضاعتهم في مقتل وتجعل الناس لا تحتاج إليهم. إن رجال الدين الجديرين بالتقدير والاحترام هم أولئك الذين لا يعرفهم أحد، الذين ينشرون السماحة والمحبة في هدوء بعيداً عن الميكروفونات والكاميرات. أما الصييتة والحنجوريون من نجوم الشيوخ والقساوسة فإن الشك يتملكني بشأن فكرة إيمانهم بالله من الأساس.. أنا حقيقة أعتقد أن عدداً لا بأس به من رجال الدين لا يؤمنون بالله ويسخرون في قرارة أنفسهم من المؤمنين، وعندما يختلون بأنفسهم في حجرة مغلقة فإنهم ينفجرون من الضحك علي المغفلين من الأتباع الذين يصدقون الهجص الذي يسمعونه منهم عن أن إسرائيل صديقة، وأن فرنسا من حقها أن تضيق علي المسلمين، وأن خنق الأشقاء واجب شرعي، وأن تأييد الديكتاتورية والاستبداد والقبول بتوريث السلطة في صالحهم، وأن كل الفرق والطوائف والملل والنحل فضلاً عن الأديان الأخري هم جميعاً من العصاة الذين يجب أن ندعو لهم بالهداية حتي ينضموا إلينا وينعموا بما ينتظرنا من نعيم بعد خراب الدنيا وفنائها. إن قيم الحرية والعدالة هي التي ستعيد رجل الدين لمكانه الطبيعي بل ستحفظ له احترامه الذي عبثت به أهواء السياسة، وأنا أتصور أن الكثيرين من رجال الدين الذين فقدوا اعتبارهم كان من الممكن أن يكونوا غير ما هم عليه الآن في وجود نظام سياسي مختلف. هل من بينكم من يحترم رجل دين يعمل في خدمة حزب سياسي فاسد؟. هل من بينكم من يثق في رجل دين يحب إسرائيل أكثر مما يحب أهله؟. هل من بينكم من يثق في رجل دين يؤيد الطغاة ويدعو الناس لانتخابهم ويقود حملات مليئة بالكذب والنفاق من أجل أن يحرم الناس من الأمل في العدالة والحرية عن طريق الترويج لتوريث الأوطان؟. أنا شخصياً لا أثق أبداً في هؤلاء وأراهم من بين الأسباب الرئيسية لخيبتنا، كما أراهم أسباباً قوية للاحتقان والتعصب وتبادل الكراهية.. ولا يثيرني منظرًا قدر رؤيتي لشيخ وقسيس يتبادلان البوس والأحضان لأنني أعلم أنهما يمقتان بعضهما بشدة، بل يشطح بي الخيال لدرجة أنني أتصور كلا منهما يلعب بإصبعه الوسطي وهو يحتضن صاحبه بينما يغمز لأتباعه أن لا تصدقوا ما ترونه لأن الحق هو ما أقوله لكم خلف الأبواب المغلقة!.