دخلت الأزمة الليبية الآن شهرها السادس في ظل حالة مستمرة من الكر والفر والتقدم والتراجع بين طرفي النزاع النظام والمعارضة أو ما أصطلح عليه كتائب القذافي والثوار، وقد جاء دخول قوات الناتو على خط الأزمة لحماية المدنيين فحسب إلا أنه يبدو أنه جاء لمضاعفة الأزمة والمعاناة الإنسانية التي يعانيها أبناء الشعب الليبي وازدياد أعداد الضحايا وتدمير البنى التحتية، وقد كان الطرفان في غنى عن هذه المواجهة لو اتبعت سبل الحوار بدلا من اللجوء إلى العنف منذ الوهلة الأولى، على كل حال حدث ما حدث واتجهت الأوضاع نحو العنف ودفع الوطن الليبي الثمن وما زالت المواجهات مستمرة ستبرز تبعاتها على التنمية والوضع المعيشي والسياسي والأمني بشكل أوسع مستقبلا وبالتالي فالمناشدة اليوم لأطراف النزاع في هذا البلد العربي الشقيق باعتماد الحل السياسي بشكل عاجل ! بلا شك أن جميع الأوطان لديها من الهموم والمعوقات الوطنية ما يكفي، ولا يوجد بلدا في العالم خاليا من تلك الهموم والمشاكل التي جعلت الأوطان أمام عقبات في سبيل التقدم والازدهار في شتى مجالات الحياة، بالمقابل فإن مطالب الشعوب تبقى حقا مشروعا وواجبا مفروضا على أي حكومة أو نظام قائم، ولكن عندما يتعرض أمن الوطن للأخطار فذلك يعني أنه خطاً احمر لا يمكن تجاوزه لتسقط أمامه كل القضايا الأخرى وإن كان هدفها الإصلاح، ولذا فالإصلاح هنا يأتي لاحقا وأمن الوطن والحفاظ على وحدة التراب الوطني وتجنب التدخلات الخارجية تبقى هي الأهم وهو ما يجب أن يتداركه الأخوة في ليبيا، ولكن للأسف الشديد يبرز تدخل الناتو على خط الأزمة ليساهم في مضاعفة المعاناة التي يتعرض لها المدنيين ويعرّض الوطن الليبي للخطر بشكل واسع النطاق إن لم يتباحث الطرفين إمكانية قبول الحل السياسي للأزمة. من المعلوم أن المصالح والأهداف الإستراتيجية هي المعيار الذي يتحكم بالعلاقات الدولية ولا يوجد في هذا الصدد ما يتعلق بالمبادئ والأخلاقيات والجوانب الإنسانية وهو ما يجب على الأخوة في الثورة الليبية إدراكه، فالهدف الأطلسي في ليبيا واضح ومحدد ولا يجب أن يفوتكم أن بلادكم تختزن ثروة نفطية هائلة ستكون معلق عليها قائمة من الشروط ليس أقلها تكاليف الحرب الدائرة في ليبيا، كما أن احتواء النظام السياسي والأمني في بلد كبير ذو موقع استراتيجي هام في المنطقة يحمل أهمية كبرى للقوى الخارجية، وما يرتبط بذلك من رغبة لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تسوده الفوضى والحروب وعدم الاستقرار ما يجعل بقاء القوات الأجنبية ضرورة لازمة للمساعدة في بناء النظام الأمني والسياسي في المنطقة والتأسيس للديمقراطية المزعومة كما حدث ويحدث في العراق، وهنا تبقى إسرائيل هي القوة المهيمنة إقليميا،كما أن تدمير البنية التحية والخسائر الفادحة التي تتعرض لها ليبيا يضعها في وضع صعب يؤثر على مستقبلها التنموي، وهذا يساهم بدورة في مزيد من القلاقل والظروف المعيشية التي ستلقي بثقلها على كاهل المواطن الليبي، ويجب أن يعلم الأخوة في الثوار في ليبيا أن دخول العنصر الأجنبي في معالجة قضية عربية بحته هي مسألة خاسرة ورخيصة لا تقبلها الأوطان والشعوب العربية، وللأسف الشديد أن العرب في المسألة الليبية تجردوا من قاعدة دستورية إسلامية هامة في معالجة الخلافات وهي قاعدة المصالحة، وللأسف الشديد هذا المبدأ الإسلامي الخالص لم يتم اعتماده عربيا بل اعتمد دستور الحل الخارجي. اليوم تدخل ليبيا في عنق الزجاجة وهو ما يقتضي من الطرفين التفكير بجدية في قبول الحل السياسي وتقديم تنازلات وتحقيق المصالحة الوطنية من أجل الصالح العام للوطن الليبي، وبلا شك أن إجراء انتخابات رئاسية/تشريعية في ليبيا بات أمرا هاما للحفاظ على حالة من التوازن بين مؤيدي النظام ومعارضيه والتي يجب أن تعقبها المصالحة الوطنية درءا لسفك مزيدا من الدماء، ومن المهم لاحقا البت في وضع دستور جديد يعقب الانتخابات لينتقل هذا البلد العربي الشقيق من هذه الأزمة إلى مجال آمن وأرحب بعيدا عن تبعات الحرب التي يزيد أوارها وجود الطرف الأجنبي فيها، وهذا الحل يعتبر عادلا للجميع، ومن هنا فإننا نناشد أبناء الشعب الليبي الشقيق اعتماد العقل والمنطق في معالجة قضاياهم بدلا من التصعيد والعنف الذي لم ولن يؤتي أُكله في ظل وجود قوات أجنبية على المشهد حتى لو تنحى العقيد معمر القذافي عن السلطة! وهنا بات من الضرورة إتباع العقل والحوار بدلا من أخذ العزة بالإثم وزيادة تفاقم الأزمة، والله من وراء القصد .