حينما خلق الله الإنسان، خلقه قادراً على الحب والكراهية، الأخذ والعطاء، الغضب والضحك حينما خلق الله الإنسان، اختصه بالحب والعقل والوعي والضمير حينما خلق الله الإنسان، منحه الحرية ليختار ماذا يصنع بحياته فبنى الإنسان إمبابة ما الذي يسكن في إمبابة؟ يسكن فيها رجل غامض، يتحدث طول الوقت على التليفون مع شخص يسميه "الباشا". يستمع إلى أوامره ثم يجري بين الناس يبث سموماً من الأكاذيب، يشعل الحرائق في القلوب... يتلذذ بالكراهية ... هو الشيطان متخفياً وراء نظارة سوداء. يسكن في إمبابة رجل فاشل، لم يكمل تعليمه، لا حرفة له. أدرك في وقتٍ ما أن تجارته الوحيده الرائجة هي التجارة بإسم الله. يبيع إسم الله على الموائد، يشوهه متعمداً على المنابر، يصنع منه إلهاً شرساً متعطشاً للكراهية والدماء، يتاجر ببعض من رحمته ويهدد ببعض من غضبه، يبيع بضاعته لمن يدفع ومن يهتف ومن ينحني ... هو الشيطان متخفياً وراء لحية بيضاء يسكن في إمبابة أناس بسطاء، لا نعرف عنهم الكثير، يصدقون أن الكاهن والشيخ لديهما قدرة خفية على معرفة الله، يصدقون أن الله قد خلق الرجل عظيماً والمرأة فتنة، يؤمنون أن لله ديناً اختصهم به ورفعهم به فوق مصاف باقي البشر، يخافون من الله، خوفاً حقيقياً يكاد يلمس حدود الرعب. أناس قد يأسوا من عدالة الحياة الدنيا فصاروا يتصبرون بحكايات الحور العين والحياة الآخرة، يأخذون الحق بأيديهم وينامون وأسلحتهم تحت الوسادات. يعيشون في فقرهم وخزعبلاتهم وحكاياتهم اليومية، يربون أطفالهم ليصيروا مثلهم، وينتظرون – بلا اهتمام – يوم يمنحهم الله من العدالة التي يعدهم بها لابسي العمم. يسكن خارج إمبابة، أناس لا يعرفون إمبابة ولا يفهمونها ولا تعنيهم. منهم من تركوها طوعاً تغرق في الفقر والجهل بينما يغرقون هم في فسادهم وحكمهم ومصالحهم. منهم من يخافون منها ويكرهونها ويتمنون لو زالت هي واخوتها من الوجود. منهم من يذهبون إليها يطلقون الوعود ويستمعون إلى تكبير البسطاء وهم لا يعنيهم إلى تكبير الصناديق. ومنهم من يرون في إمبابة ثروة يقتلون بها ثورة ... وهكذا ... اتصل الباشا بالرجل ذو النظارة السوداء، الذي اتصل بالرجل ذو اللحية البيضاء في مساء هذا اليوم، اجتمعت الشياطين في إمبابة، وقرروا أن اليوم مناسب لحفلة دماء، يقتل فيها البسطاء بعضهم بعضاً، وهم يهتفون باسم الله، ويحلمون بجنته تآمر الجميع على الله في إمبابة، تآمر الجميع على الإنسان، تآمروا على الحب والعقل والوعي والضمير لكن الله الذي خلق الإنسان ... مازال موجوداً في إمبابة وهو يعرف هؤلاء الذين قد تاجروا باسمه وهؤلاء الذين قتلوا باسمه وهؤلاء الذين كذبوا باسمه وهؤلاء الذين قالوا بأنهم وحدهم من يملكون الحق فيه وهؤلاء الذين شوهوه بكبتهم وخزعبلاتهم وهؤلاء الذين أهملوا وطغوا يعرف الله كل ساكني إمبابة وكل من يسكنون خارجها، وهو الآن ينتظر ليرى، ماذا أيضاً سيفعل كل منهم بوعيه وعقله وضميره وحريته أو هكذا أؤمن...