إنعقد اليوم السبت الموافق السابع من مايو 2011 مؤتمر "مصر الأول"، وظهر من ضخامة أعداد المشاركين فيه وتنوعهم الهائل، نجاح المبادرة الجماعية التى أطلقت فكرته فى شهر مارس الماضى بهدف البدء فى بناء إصطفاف وطنى جامع يحمى ويراقب تنفيذ أهداف ثورة 25 يناير المجيدة التى إختصرتها شعارات وهتافات رددها ملايين المصريين فى شوارع وميادين وساحات الوطن ضد الظلم والقهر والديكتاتورية والفساد والتخلف وطلباً للحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والاستقلال الوطني. لقد جاءت فكرة هذا المؤتمر لتلبى ضرورة حيوية خلاصتها أن الوصول إلى هدف إقامة الدولة الديمقراطية العصرية التى يظللها حكم القانون وقيم العدالة والمساواة بين المواطنين، ليس هناك من سبيل لتحقيقه إلا عبر تكتل وطنى يعكس ثراء التعدد والتنوع فى المجتمع المصرى ، بما يضمن العبور الآمن للمرحلة الإنتقالية الراهنة والتنفيذ الكفؤ لمهمتيها الرئيسيتين وهما: * تنظيف أركان ومؤسسات الدولة والمجتمع من رواسب ومخلفات النظام الفاسد السابق والتخلص من آلياته وسياساته ومرتكزاته القانونية والتشريعية. * وضع الأسس الدستورية والقانونية لدولة ومجتمع جديدين على قاعدة "التوافق" العام التى تأبى الإقصاء والإبعاد والتهميش لأى من مكونات النسيج الوطنى مهما كان حجمه أو نسبته العددية وتحت أى ذريعة. وعلى مدى أربع جلسات أنخرط أعضاء المؤتمر فى حوار راقٍ ومسئول حول الأوراق الآتية: 1- المبادئ الأساسية للدستور الجديد سياسياً ومجتمعياً. 2- الواقع السياسى والإقتصادى الراهن وتقييم المسار الإنتقالى منذ نجاح الثورة وإسقاط رأس النظام السابق. 3- أقتراح تأسيس "مجلس وطني" يكون بمثابة آداة عملية لتحقيق هدف بناء تآلف يجمع كافة القوى السياسية والمجتمعية المؤمنة بالديموقراطية والدولة المدنية العصرية ، على أن يطلع هذا المجلس بمهمة السعي لعدم تشتيت جهود القوى المشاركة فيه وضمان وحدتها أو تعاونها فى الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. 4- الأوضاع الاقصادية والاجتماعية الحالية وكيفية علاج الأزمات والمآسى والمظالم والاحتقانات التى خلفها النظام السابق. وقد إنتهت المناقشات والحوارات إلى توافق تيار عام بين حضور المؤتمر على إعلان الآتى: أولاً: تحية تقدير وإجلال لأرواح شهداء الثورة الأبرار الذين ضحوا من أجل الوطن ورسموا بدمائهم الزكية ملامح مصر الجديدة الناهضة التى يتمتع أهلها بالحرية والكرامة والعدالة والمساواة. والتحية موصولة أيضا لألاف الجرحى والمصابين الذين يحملون على أجسادهم الطاهرة أدلة إجرام الطغمة الحاكمة الساقطة. ويدين المؤتمر ما يتعرض له هؤلاء الأبطال من صور أهمال أجرامي ، وحرمانهم من الرعاية والعلاج ومن أبسط حقوقهم على الوطن الذي ضحوا من أجله. ثانياً: كل التحية لشعب مصر العظيم الذي أسقط ودحر جلاديه وخرجت ملايينه إلى الشوارع والساحات والميادين في طول البلاد وعرضها لتصنع واحدة من أكثر الثورات تحضرا ورقيا وسلمية في التاريخ الإنساني. ثالثا: تحية لجيش مصر الباسل الذى لم يخيب ثقة الشعب فيه عندما إتخذ موقفاً تاريخياً وأعلن أنحيازه للثورة وأكد شرعية مطالبها وأهدافها ، فضلا عن قيام رجاله بحماية أخوانهم الثوار. رابعا: طالب المشاركون في المؤتمر بضرورة البدء فورا في إجراءات وضع دستور جديد عبر جمعية وطنية تأسيسية ، وذلك قبل إجراء أية انتخابات تشريعية أو رئاسية. خامسا: لاحظ إتجاه غالب بين أعضاء المؤتمر أن المسافة الزمنية التى مرت حتى الآن من المرحلة الإنتقالية شهدت أحداث وتطورات إيجابية عديدة أهمها، التصدى لمحاسبة رموز النظام الساقط على فسادهم وجرائمهم فى حق الوطن والشعب. وكذلك من الإيجابيات الشروع فى خطوات جادة وملموسة لتصحيح مسار السياسة الخارجية وترشيدها بما يضمن تحقيق المصالح الوطنية العليا ويعيد لمصر دورها المحورى وهيبتها وتأثيرها فى محيط أمتها العربية وفى الإقليم وعلى المستوى الدولى بعد عقود من السياسات الخرقاء وغير الوطنية التى أدت إلى تآكل وإنحطاط الدور والتأثير المصريين إلى حد مهين وغير مسبوق. غير أن الأغلبية من أعضاء المؤتمر رصدت قائمة من السلبيات أخطرها: 1- إستمرار الغياب والإنفلات الأمنيين وتزايد حالات ترويع المواطنين والخرق الفاضح للقانون بما فى ذلك تكاثر الإعتداءات المشبوهة على المؤسسات والمرافق العامة فى ظل غياب وإحجام غير مبرر ولا مفهوم لكثيرين من رجال الشرطة عن ممارسة واجباتهم. 2- التباطؤ أو الإمتناع عن إتخاذ إجراءات وقرارات حيوية ومهمة تستجيب لضرورات ملحة وعاجلة تتعلق بأبسط شروط العبور الآمن للمرحلة الإنتقالية، مثل عدم حل المجالس المحلية المزورة الموروثة من النظام البائد، والإبقاء إبعاد على الغالية الساحقة من المحافظين الذين ينتمون فكراً وسلوكاً لعصر الفساد الذى ثار المصريون عليه ، وكذلك عدم التخلص من العناصر الفاسدة التى مازالت تعشش فى العديد من مؤسسات الدولة المهمة خصوصاً فى الجامعات ووسائل الإعلام. 3- ويضاف إلى أقوى السلبيات تلك المحاكمات العسكرية الجائرة والظالمة لبعض المواطنين الأبرياء ومنهم شباب من أنبل الثوار, 4- لاحظ إتجاه قوى بين أعضاء المؤتمر نوعاً من التغاضى والتسامح مع ممارسات وإرتكابات خطرة تهدد وحدة النسيج الوطنى وتشيع ثقافة الكراهية بين أطياف المجتمع وتحرض على التعصب من خلال إستباحة الإستخدام المتهور للدين فى مناكفات وخلافات السياسة وهو أمر يعيق بناء المجتمع الديمقراطى الحر الذى يتطلع إليه المصريون. وفى هذا الصدد عبر العديدون خلال المناقشات عن القلق البالغ من إتباع سياسة "الدولة المتفرجة" فى العديد من الحوادث والممارسات التى كانت تستلزم التحرك بسرعة وحزم لفرض إحترام القانون وحماية السلم الأهلى. 5- رصدت العديد من المداخلات فى المؤتمر بطئاً وإرتباكاً حكومياً فى التعامل مع أزمات الوضع الإقتصادى الراهن الناجم عن السياسات الكارثية للنظام السابق، ونبه الكثيرون لأهمية إتخاذ إجراءات وقرارات سريعة ومدروسة من شأنه إعادة دوران عجلة الاقتصاد الوطنى، والبدء فوراً فى تنفيذ خطة عاجلة لبناء مشروعات إنتاجية تسمح بإنعاش سوق العمل وتسهم فى تخفيف حدة الظلم الإجتماعى الفاحش الذى عانت منه أغلبية المصريين الفقراء. ورغم إقرار الجميع بضخامة وتعقيد الكوارث الاقتصادية والاجتماعية التى خلفتها عقود وسنوات النهب الطويلة، فإن غالية حضور المؤتمر أشاروا إلى إمكانية البدء من الآن فى تنفيذ خطط إنقاذ وإصلاح عاجلة فى نبيان القطاعات الإنتاجية خصوصاً قطاعى الزراعة والصناعة، وهى خطط لن تنال أى حظ من النجاح ما لم تنطلق من نقطة تحسين أحوال المنتجين، فلاحين وعمال، والتخفيف (على الأقل فى هذه المرحلة) من وطأة الظلم الفاحش الذى يعانون منه ويعيق قدرتهم على زيادة الإنتاج. سادسا: وفى ما يتعلق بمحور المبادئ الدستورية الأساسية توافق حضور المؤتمر على القيم والمبادئ الآتية على الصعيدين السياسى والإجتماعى: 1- مصر جمهورية ديمقراطية مدنية الشعب فيها هو مصدر السلطات ويتمتع بالحرية والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، ومصر جزء من الأمة العربية تسعى لوحدتها ونهضتها. 2- الدولة فى مصر دولة قانون تحترم حقوق الإنسان وحقوق المواطنة كافة وتحمى تعدد وتنوع وثراء نسيج المجتمع الوطنى. 3- الإسلام دين أغلبية المصريين واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية الأساسية هى المصدر الرئيسى للتشريع من دون الإفتئات على حقوق المواطنين غير المسلمين . 4- يحظر تفسير أي نص من نصوص الدستور على نحو يمس بالحريات العامة أو مبدأ مدنية الدولة أو يخل بقيم المساواة بين المواطنين. 5- الدولة تضمن تكافؤ الفرص والمساواة التامة للمواطنين أمام القانون وعدم التمييز بينهم بأية صورة وعلى أى نحو بسبب إختلاف الجنس أو العرق أو اللون أو الدين، أو أي سبب آخر. 6- حرية الفكر والعقيدة حق مكفول لكل المواطنين ولا يجوز تقييده بأى قيد. 7- حرية الرأى وحرية التعبير السلمى بكافة الوسائل وكذلك حرية الصحافة والإعلام، والحق فى المعرفة وتلقى المعلومات والأخبار الصحيحة من مصادرها، كلها حقوق مكفولة للمصريين تضمنها الدولة وتحميها التشريعات والقوانين. 8- الفصل بين السلطات مبدأ أساسى للحكم فى الدولة، وإستقلال مرفق العدالة والقضاء وتمكين الرقابة الشعبية والبرلمانية الفاعلة على السلطة التنفيذية، واجب دائم على الدولة. 9- حق المواطنين فى الإجتماع والإحتشاد السلمى وحقهم فى التنظيم وتأسيس الجمعيات الأهلية والمنظمات المدنية والنقابات المستقلة، والحق فى إنشاء الأحزاب السياسية، كلها حقوق إنسانية لا يحوز تقييدها بأى قيد إلا ما يتعلق بحماية النظام العام والمبادئ الأساسية للدستور، وعند التصدى التشريعى لتنظيم ممارسة هذه الحقوق والحريات يراعى عدم فرض قيود تمس أو تنال من أصل الحق. 10- القوات المسلحة المصرية درع الاستقلال الوطنى وركيزة الدفاع الأساسية عن أمن البلاد وحدودها وأراضيها ومصالحها الإستراتيجية العليا، وفي حالا ت الضرورة فإن القوات المسلحة عليها واجب حماية النظام الديموقراطي والمبادئ الأساسية للدستور. 11- العدالة الاجتماعية وضمان وصول ثمار التنمية الشاملة والمتوازنة إلى جميع المواطنين مسئولية رئيسية وأساسية للدولة. 12- الحق فى التعليم، والحق فى الرعاية الصحية، والحق فى المسكن الملائم والكريم، والحق فى العمل بأجر عادل ومجز .. كلها حقوق أساسية تكفلها الدولة للمواطنين كافة وتسهر على رعايتها وحمايتها. 13- المساواة بين الجنسين (الرجل والمرأة) على كل الأصعدة وفى كل المجالات، مبدأ أساسى من مبادئ الدولة. 14- حماية النشئ وحقوق الطفل ورعاية الأسرة واجبات أساسية للدولة 15- لابد من تضمين الدستور الجديد مادة تفرض حصانة عدم التعديل على المواد التي تحوي وتقر المبادئ والقيم الموصوفة ب"فوق الدستورية"خصوصا المواد المتعلقة بالحريات العامة والطابع المدني للدولة والمساواة بين المواطنين . خامساً: إنتهت الحوارات والمناقشات التى دارت بين الحضور حول الواجبات والمطالبات والمهام العاجلة المطلوبة لتفعيل وتأكيد معنى التوافق الوطنى الذى جسده مؤتمر " مصر الأول" إلى الآتى: 1- الإسراع بإعلان المجلس الوطنى بعد إستكمال المشاورات مع كل القوى والتيارات والحركات والتنوعات السياسية والمجتمعية المشاركة فى المؤتمر، على أن يتولى المجلس فور تشكيله مهمة إدارة واجبات المرحلة الانتقالية المتفق عليها. 2- يحض المؤتمر كافة القوى والتيارات والتجمعات الوطنية على البدء بسرعة فى إعداد قائمة مرشحين موحدة للانتخابات البرلمانية المقبلة، بحيث تراعى هذه القائمة ضرورات النجاح فى المنافسة الإنتخابية وتضمن عدم تشتيت الجهود والإمكانيات بهدف الوصول إلى مجلس تشريعى يعكس تنوعات الطيف الوطنى ولا يقع فى براثن الإحتكار السياسى من قبل أية جماعة أو قوة منفردة. 3- الضغط بكل الوسائل الديمقراطية والسلمية من أجل إصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية يسمح لكل المصريين فى الداخل والخارج الذين يبلغون سن الثامنة عشر بالمشاركة فى العملية الإنتخابية ببطاقة الرقم القومى ومن دون قيود أخرى سوى ضمانات نزاهة عمليات الإقتراع. 4- السعى لإستصدار قانون إنتخابى للمجالس التشريعية والمحلية يعتمد نظام قوائم ولوائح المرشحين، على أن تحتسب نتائج المنافسة الإنتخابية بين هذه القوائم على أساس قاعدة النسبية غير المقيدة، مع إقرار حق المستقلين عن الأحزاب فى إعداد قوائم خاصة بهم فى دائرة واحدة أو أكثر. 5- لا بد أن يحظر القانون بعبارات قاطعة وتحت طائلة العقاب منع استخدام دور العبادة كمنابر سياسية وأى إستخدام لشعارات الدين فى الدعاية الإنتخابية حماية للأصول الديمقراطية وعدم إستثارة التوترات والنعرات الطائفية.