انقسم الشعب المصري- لاول مرة بعد الثورة - عند الإستفتاء من أجل تعديل الدستور. وظهرت آراء واتجاهات تصنف المصريين من خلال آرائهم...الحقيقة انني سعدت بهذا الاستفتاء ولازلت سعيدا..ورغم انني وكل أسرتي وغالبية اصدقائي قلنا لا إلا أنني سأمتثل وأرضى وأسعد بنعم ..فأنا لا أرى أن أصحاب الصوت في مصر انقسموا من خلال هذا الاستفتاء إلى حكوميين ومعارضة بناء على نعم ولا .. ولا ارى ما يقول البعض أن الناس لم تنقسم وان هذا اللغط طبيعي في هذه المرحلة.. في الواقع أنني ارى انقساما واضحا وتصنيفا أوضح لكل من حولي ولكل من رأيتهم في الشوارع والمساجد والكنائس وفي أجهزة الإعلام وفي اللجان الإنتخابية قبيل الاستفتاء. إلا أن تصنيفي لا علاقة له بمن قال لا ومن قال نعم . انقسم المصوتون في وجهة نظري إلى أربع مجموعات يمكنك – غالبا- أن تعرفهم من لغتهم في الحوار وكلامهم الذي يبنون عليه موقفهم..فالمجموعة الأولى والأهم هم من صوتوا في الاستفتاء بناء على وجهة نظرهم الشخصية لما فيه مصلحة الوطن ..هؤلاء سمعوا وسألوا وتناقشوا واقتنعوا بأن هناك اتجاه أفضل ...بعضهم قال لا وبعضهم قال نعم . وليس منهم من أصاب وليس منهم من أخطأ. فهذا رأي شخصي ورؤية خاصة. هؤلاء جميعا هم أصحاب العقول والضمائر الذين سيخدمون هذا الوطن ..لا أحد يستطيع أن يحدد نسبتهم الحقيقية ممن أدلوا بأصواتهم ...لكنهم جميعا أدلوا بصوتهم فمثل هؤلاء لن يتوانوا أبدا خدمة الوطن والعمل من أجله وهؤلاء هم الأمل في مصر التي نحلم بها جميعا.. المجموعة الثانية هي مجموعة المنتفعين وأصحاب المصالح.. وهؤلاء حددوا مواقفهم بناء على مصالحهم الشخصية البحتة. مثل هؤلاء الناس أيا كانت اتجاهاتهم لا يكترثون إلا بأنفسهم.. لايكترثون بالدين ولا بالوطن ولا بالشهداء..ولابأي مخلوق ..ويستغلون كل شيء ليحصلوا على مكاسبهم .. هؤلاء من يصمون الآخرون بالخيانة أو بالكفر أو العمالة ويصورون انفسهم دائما على أنهم هم المخلصين والمخلصين بكسر اللام وبتشديدها... وللأسف يجدون لهم أتباعا وأعوانا كما كان سانشو المسكين يتبع دون كيشوت في رحلاته لمحاربة طواحين الهواء .. المجموعة الثالثة هم المريدون. والمريدون عادة ما يتبعون شخصا ما بغير تفكير . ويبدأون في تكرار ما قاله لهم هذا الشخص كالببغاوات . وعادة ما يبدو عليهم الإيمان العميق بماقاله ساحرهم ..لذا فهم يتبعونه بكل إخلاص. قد يكون هذا الرمز شخصية عامة أو سياسي أو كاتب أو مذيع. قد يكون شيخا او قسا أوداعية ..إذا تحاورت معهم يبدأون بترديد الكلام الذي سمعوه بنصه فإذا حاورتهم ستجدهم يقولون لك بوضوح: (فلان قال كده ..أنت هتعرف أكتر منه؟) أما المجموعة الرابعة فهم اللامبالون وهؤلاء غالبا ما يتحركون خلف الرأي السائد أيا كان صاحبه. فهم لايهتمون في الواقع بهذا الأمر ولا بغيره. لايهمهم من مات ولا من انتصر ولا من سيدير الأمر ...لا يعنيهم الفساد ولا الشرف ولا الخيانة هم مع الكبيرومع السائد ومع المعتاد.... ويبحثون دائما عن الرأي الذي لن يستتبعه (وجع دماغ) ... وهؤلاء تسمع منهم كلاما من نوعية (خلينا نخلص) أو يعني (هو الاستفتاء ده اللي هيغير البلد) . أو (أي حاجة ..مفيش فايدة) . وهؤلاء غالبا ما يتبعون الرأي الأكثر أغلبية أو آخر رأي سيسمعونه قبل دخول اللجان. عندما تفكر في كل هذه الفصائل التي تحدثنا عنها، وإذا أخذنا في الإعتبار إن هذا الإستفتاء كان اختبارا صعبا..(أعتقد أن معظم من صوت بشرف لم يكن في داخله رفض مطلق ولاقبول مطلق) .. سيتضح لك على الفور إن هذا الشعب ليس بالسطحية التي يدعيها البعض ولا هو بالعمق الذي يدعيه البعض الآخر..ولا أعتقد أن ما يقال عن أن توجهات أو حملات خدعت ما يقرب من ثمانين في المائة من الناخبين. كل ما في الأمر أن هذه المرة وبصدفة لن تتكرر بسبب الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلد وبسبب ضيق الوقت تلاقت مصالح الفئة الثانية بأكملها على نعم رغم تنافرهم ..فهم لا يريدون وقتا كافيا تتجمع فيه قوى وطنية جديدة لتعمل على بناء أحزاب وتوجهات جديدة ومن مصلحتهم أن تكون لهم يد مباشرة وغير مباشرة في تعديلات الدستور. ..وهذه الفئة لها الكثير من المريدين مما جعل اغلبية الفئة الثالثة والرابعة تتندمج معهم ...أما الفئة الأولى ... وهم المخلصون والشرفاء ومحبي البلد ..فبعضهم قال لا وبعضهم قال نعم ...وهؤلاء هم أصحاب الفكر والمباديء الذين لا يقبلون فرض أي رأي عليهم. وهم للعلم من كل الاتجاهات والعقائد فأنا مثلا أعرف من الإخوان ومن السلفيين من قالوا لا . وأعرف من المسيحيين من قالوا نعم ...وهناك من الأميين من قالوا نعم ولا..فالديمقراطية لا تعرف رأيا واحدا. ما اريد أن أقوله في ضوء هذا التصنيف . أن الشعب ليس في اتجاه ضد اتجاه. فعندما ستأتي لحظة الإنتخابات البرلمانية سيختلف الأمر. فأصحاب المصالح لن يكونوا يدا واحدة قوية كما كانوا هذه المرة. سينقسمون على أنفسهم وسيجتمع الشرفاء جميعا على فكرة واحدة، ففهم أبعاد تعديلات الدستور كان صعبا لكن فهم الفساد ورجال الأحزاب الفاسدين وأصحاب الأفكار الضالة سيكون أسهل كثيرا...وهنا يجب على أصحاب العقول والضمائر من الآن التحرك من أجل حشد قوة الفئة الرابعة والتي يجب أن تخاطب بحكمة وليس بعنجهية لا بتعالي... خاطبوهم بالفلاحي والصعيدي والسواحلي وحتى بلغة الإشارة...خاطبوهم بما يفهمون ..وليس بما تفهمون أنتم!! لا تختزلوا الأمر في نعم أو لا.. ولا تحسبوا ان الثورة والضمائر التي استيقظت ستموت مرة أخرى...ولا تحسبوا ياسادة أن المنتفعين انتصروا ولا أن الثائرين خسروا. هذه أولى جولات ما بعد الثورة ..إنها الديمقراطية التي نريدها.. ..وإنها السياسة التي يلعبها المرشحون في العالم كله.. فلنتعلم أبعاد الديمقراطية ..ولنتعلم لعبة السياسة ..فالغالب ..مستمر!!..