قد يظن البعض أن انحياز القوات المسلحة لأماني شعب مصر و تأييدهم لمطالب الثوار و حمايتهم من الطاغية يعد جزءاً من ضمن تضحيات الجيش التي طالما قدمها علي مدي تاريخه فداء للوطن. لكني أختلف بكل بساطة مع هذا الطرح و أري الأمر علي نحو جد مختلف، فالجيش عندما انحاز لجموع المصريين، إنما كان يعبر عن رغبته هو نفسه في خلع حسني مبارك و الخلاص منه. ليس فقط لان أفراد الجيش هم مواطنون مصريون مثلنا اكتووا بكل سيئات النظام البائد من ظلم و جور و نشر للقيم الفاسدة و تقديم المجرمين علي الشرفاء و تخريب التعليم و الثقافة و الصناعة و الزراعة، و ممارسة التدمير العمدي لصحة المواطنين و نشر الأمراض بينهم..و إنما لسبب أكثر أهمية بالنسبة للجيش من كل ما سبق..فمثلما كنا جميعاً نشعر بالعار لأن مبارك هو رئيس مصر فلست أشك في أن الجيش المصري العظيم كان يشعر بالعار لأن حسني مبارك هو قائده الأعلي!. و هل يشعر بالفخر جيش يري قائده الأعلي يضرب الأمن القومي المصري في مقتل عندما يتحالف مع أعدي الأعداء و يعمل ليل نهار لتكون كلمة إسرائيل هي العليا و كلمة مصر في أسفل سافلين؟. و هل يشعر جيش بالفخر و هو يري العدو التاريخي الذي لم تتوقف مؤامراته يوماً واحداً و قد صار أقرب الأقرباء للرئيس المصري و صار كنزهم الاستراتيجي الذي يضحون بالغالي و النفيس من أجل بقائه حتي استكمال المشروع التاريخي لبني صهيون في المنطقة؟. و هل يشعر بالفخر جيش يري و الدموع في عينيه طائرات العدو و هي تقتحم السماء المصرية فوق رفح المصرية لتقصف بسهولة أهلنا في فلسطين بتسامح و تواطؤ من الرئيس المخلوع؟. و هل يشعر بالفخر جيش تحارب أجهزة استخباراته ليل نهار من أجل احباط عمليات التخريب التي تقوم بها اسرائيل و هي تعلم أن الرئيس المصري يتركهم يرتعون فوق الأرض المصرية و يضربون مفاصل الدولة مقابل أن يدعموا مشروعه بتوريث الحكم للمحروس ابنه؟. لهذا كله فأنا أعتقد أن الجيش قد وجد في ثورة شعب مصر فرصة تاريخية لا يجب أن يفلتها من أجل إعادة المجد لمصر و وضعها في مقدمة الأمم. و أتصور أن القوات المسلحة كانت مثلنا جميعاً تكظم الغيظ و تطوي الجوانح علي الألم و الشعور بالغضب و لا تستطيع لفرط الوطنية و الإنضباط أن تنقلب علي الحكم خشية الفوضي و الخراب. لهذا ما إن ثار شعب مصر و كسر حاجز الخوف و واجه بصدور عارية أعتي المجرمين من أجهزة أمن مبارك المدججة بالسلاح و قدم تضحيات هائلة معمدّة بالدم حتي أدرك الجيش أن هذه هي اللحظة المنتظرة التي يحتضن فيها شعب مصر..يحميهم و يحتمي بهم. و لي أن أتصور أن دماء الشهداء كانت عاملاً حاسماً لميل كفة الجيش نحونا، فهو جيش يحترم الشهداء قدر لا يحترم شيئاً آخر، و لم أندهش و أنا أري اللواء محسن الفنجري يؤدي التحية العسكرية لشهداء مصر الأبرار الذين افتدوا مصر بأرواحهم. شيء آخر في شأن أهمية الثورة و الحصول علي حكم ديموقراطي نظيف و دولة عادلة بالنسبة لرجال للجيش و قادته هو أنهم كمواطنين مثلنا أرادوا لأولادهم و أحفادهم وطناً نظيفاً يسترهم و يحميهم. فهم و إن كانوا يستطيعون حالياً تأمين الستر و الحماية لأبنائهم بفضل وضعهم الرفيع، إلا أن مستقبل الجميع غير مضمون في ظل دولة الظلم و الطغيان. لهذا فإنني أؤكد علي أن الثورة كانت حلماً للجيش مثلما كانت حلماً لشعب مصر..و أمامنا فرصة حقيقية للمرة الأولي في العمر أن نبني و نعمّر لأبنائنا، ليس لأبناء مبارك، و ان نزرع القمح الذي حرمنا من زراعته مبارك.. و أن نجعل "الباسبور" المصري أملاً لأي انسان عربي يحلم بالحرية و الأمان.