جاءت نهاية السيد بلال بمكالمة تليفون تلقاها من ضابط شرطة يستدعيه ، فذهب إليه دون أن يعلم أن نهايته ستكون على أيدي رجال الداخلية! هذه الحادثة لا يصح أبدا أن تمر - هكذا كغيرها - بدون محاكمة عادلة للقتلة ، فإلى متى يستمر نظام حكم فاسد وفاشل في اعتقال وقتل مواطنين أبرياء؟! وما جرى ، ويجرى يدعونا – أيضا – للنظر فيما يحدث من عجائب وغرائب بواسطة مكالمات التليفون! ففي مصر تصنع هذه المكالمات أشياء لا يمكن أن تحدث في أي مكان آخر في العالم! فقد حدث مرات أن آخذ ( بعض المحظوظين ) ملايين الجنيهات ، وملايين الدولارات أيضا ، من البنوك المصرية ، بمكالمة تليفون تلقاها مدير البنك من شخص مهم جدا ، وبعد ذلك ترك المحظوظون البلد ، وهربوا بالفلوس ! وكذلك يمكن أن يتم اعتقال الناس ( الأبرياء ) بمكالمة تليفون ، كما يمكن أيضا أن يُفرج عنهم من غيابات السجون والمعتقلات ، ويعودوا إلى بيوتهم آمنين ، بمكالمة تليفون ! فأنت في مصر ، قد تحتاج إلى مكالمة تليفون من شخص ما ، حتى تُدخل ابنك إلى المدرسة ، ثم تحتاج - بعد ذلك - إلى مكالمة تليفون أخرى حتى يحصل على وظيفة ، كما يمكن كذلك بمكالمة تليفون واحدة أن يسبق كل زملائه ، ويصل إلى أعلى الدرجات وأرفع المناصب ! ولنضرب مثالا واحدا بوزارة مهمة ، هي وزارة الخارجية ، وما يحدث فيها لا يختلف كثيرا عن غيرها ، فإذا أراد ابنك أو بنتك العمل في السلك الدبلوماسي ، فلابد من اجتياز امتحان للقبول ، لكن هذا الامتحان وحده لا يكفى ، ولعلنا نتذكر الشاب عبد الحميد شتا ، فبرغم أنه الأول على دفعته ، إلا أنهم رفضوه بحجة أنه غير لائق اجتماعيا ، مما دفعه إلى الانتحار ! إذن النجاح وحده لا يكفى ، ولابد من مكالمة تليفون حتى تُقبل في وزارة الخارجية ، أو فى غيرها ! وحتى بعد تعيين صاحب النصيب ، لابد من تليفون صغير من مسئول كبير ، حتى يتم اختياره للعمل في بلد جميل متقدم ، وإلا سيُرسل إلى بلاد الواق الواق ! ويستمر هذا الوضع العجيب طوال حياته الوظيفية ! إذ بعد أن يصل إلى أعلى الدرجات ، ويصبح معالي جناب السفير ، لابد من مساعدته بتليفون صغير جدا من مسئول كبير جدا ، حتى لا يُرسل إلى بلاد فيها مجاعات وأوبئة وحروب ، أو بلاد تركب الأفيال ! فهل هذه - بذمتك - بلد ؟! ومن يصدق أن أقدم دولة في العالم ، تصل إلى الحال الذي وصلنا إليه ؟! فالمحروسة كلها تتحرك – بغض النظر إذا كنا نسير للأمام أو للخلف - ليس طبقا للقوانين والقواعد والنظم ، بل طبقا لكلام مسئول صاحب سلطة وسطوة ونفوذ ! حتى وصل الأمر إلى مجلس الوزراء ذاته ، فبعد اجتماعات الوزراء ، ومناقشات الخبراء ، ولجان متخصصة ، ودراسات فنية ، يتم إقرار أمرا ما ، ويُعلن على الناس ، ثم بعد ذلك تأتى كلمة واحدة من السيد الرئيس لتمحو كل ما قيل على لسان رئيس مجلس الوزراء ! والأمر ذاته شاهدناه في البرلمان ، إذ تدور المناقشات الساخنة والحوارات الحامية بالساعات والأيام المتواصلة ، حتى يتم الاتفاق فى النهاية على مواد محددة لقانون معين ، ثم فجأة يخرج علينا رئيس المجلس الموقر ، ويُعلن بفخر وفرحة أنه تلقى مكالمة تليفونية من السيد الرئيس ، وبناء عليها سيتم تغيير مواد القانون من كذا إلى كذا ، فيصفق المجلس كله ، ويهلل لتوجيهات الرئيس ! وهكذا يمكن أن يأخذنا الحديث عما يجرى في مصر بواسطة مكالمات التليفون ، إلى كتابة مجلدات ومجلدات ! فكلمات أي مسئول أصبحت فوق أي قانون ! لدرجة أن الأحكام النهائية للمحاكم لا تنفذ ، إلا إذا جاءت على هوى أهل الحكم ، وإنما الذي ينفذ دائما وبانتظام فهي تعليمات السيد الرئيس ! فهل كل هذا له علاقة بما حدث في تونس ؟ سأترك لك يا صديقي القارئ الإجابة عن هذا السؤال ، وأقول : إن مصر في أشد الحاجة إلى تغيير شامل يعيد أوضاعنا المقلوبة إلى وضعها الصحيح..