على امتداد السنوات الخمس الماضية التي شهدت بداية ذوبان الجليد وفك الجمود عن الحركة السياسية منذ ظهور حركة كفاية، والتي كانت أكثر لحظاتها تألقا وسطوعا، والتي برزت فيها دروسا ملهمة لحركة النضال الديمقراطي هي تلك التي شهدت دخول الطبقة العاملة ممثلة في عمال مصر الشرفاء على خط الاحتجاجات والدفاع عن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية، وعن حماية الأصول الإنتاجية من عمليات النهب والفساد التي تتم في سياق سياسة الخصخصة، ولعل ابرز النقلات الكيفية التي قامت بها الطبقة العاملة في سياق هذا النضال الديمقراطي خلال تلك الفترة هي الانتقال ببؤرة الاحتجاج مما كان يسمى مثلث الرعب (سلالم نقابة الصحفيين، ونقابة المحامين ونادي القضاة) وهى كلها مؤسسات تنتمي افتراضا إلى المجتمع المدني وكانت تحتضن بدرجات مختلفة حركة الاحتجاج الديمقراطي، إلى مثلث الاستبداد حيث عقر دار النظام الحاكم ممثلا في رصيف مجلس الشعب ورصيف مجلس الشورى ورصيف مجلس الوزراء والتي تشكل قمة مؤسسات الحكم، كان هذا التحول في مكان إعلان صرخات الاحتجاج، ابرز التحولات رمزية في حركة النضال الديمقراطي حيث تحول بفضل عمال شركة كابري للأغذية، ومصر للصناعات الغذائية، والنوبارية للميكنة الزراعية، والمعدات التليفونية، وعمال تحسين الأراضي، وعمال الإسكان والتعمير وغير من عشرات المؤسسات الإنتاجية إلى بؤرة احتجاجية اجتذبت كل الفئات الاجتماعية حتى وصل عدد الفئات المعتصمة أو المتظاهرة في تلك البقعة في بعض الأيام إلى 7 و 8 فئات مختلفة وكان تطور أشكال الاحتجاج التي قام بها عمال امونسيتو والذي وصل إلى حد محاولة الانتقال من رصيف البرلمان إلى داخل البرلمان دفاعا عن حقوقهم أكثر مما يمكن أن يحتمله النظام خاصة الذي قام بحملة قمع شديدة لتحرير مثلث الاستبداد من احتجاجات العمال نتج عنها إصابة العشرات من عمال مصر ، أيضا شكل إضراب عمال المحالة في 6ابريل نقلة نوعية في أساليب النضال الديمقراطي كأول مؤشر على إمكانية أن يخوض المصريون إضرابا عاما تتلاحم فيه جمع الفقراء من كل الفئات الاجتماعية، وهو ما دفع النظام وأجهزة الأمن إلى حد استخدام الرصاص الحي وقتل المواطنين لقتل جرأة عمال مصر على تصعيد أشكال احتجاجهم بإظهار القبضة الخشنة للنظام ، وعلى الرغم من هذا القمع الذي وصل عمال مصر نضالهم الديمقراطي باستخدام كافة الأساليب السلمية ولعل لجوؤهم للقضاء والحصول على الحكم التاريخي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200جنية درسا ملهما آخر ، لقد كان قيام العمال خلال الخمس سنوات الماضية بمئات الإضرابات والاعتصام والوقفات الاحتجاجية والتظاهرات ورفع مئات القضايا على الدولة مؤسسات وقيادات من رئيس الجمهورية نزولا إلى الفاسدين من رؤساء مجالس إدارات شركاتهم المنهوبة دافعا وملهما لدخول قوى أخرى لا تقل أهمية من حيث التأثير في مجرى النضال الديمقراطي إلا وهى الفلاحين الذين خرجوا بشكل واسع ولأول مرة منذ ثورة 19 دفاعا عن ارض ومطالبة بالمياه. هذه المؤشرات تؤكد على أن إعادة الحيوية والزخم لحركة النضال الديمقراطي خاصة بعد كارثة الانتخابات وما يمكن أن ترسخه من مشاعر للإحباط أو عزوف عن النضال السلمي والبحث عن سبل أخرى قد تكون كارثية على مستقبل الوطن، لن تكون إلا بالاعتماد بشكل حقيقي على أوسع انخراط للطبقة العاملة في النضال الديمقراطي وهو ما يجب أن يكون مسعى كل القوى الديمقراطية ، والتي يجب ان تستلهم من مطالب ونضال العمال طوال الفترة السابقة المطالب الأساسية لعمال مصر والتي يجب أن تكون على أولوية برنامجها النضالي خاصة : - تعديل الحد الأدنى للأجور وربط الأجر بالأسعار . - حق الحمل في التامين الصحي المجاني الذي يقدم لهم خدمة ورعاية طبية حقيقة. - ضمان الحصول العمال على معاشات وضمانات اجتماعية تضمن لهم حياة كريمة بعد التقاعد، وربط المعاشات بمستويات التضخم. - تحرير التنظيم النقابي وحق العمال في تشكيل نقاباتهم المستقلة . - حق النفايات في التفاوض من اجل تحرير عقود عمل جماعية تضمن فيها مصالح العمال. - إيقاف كل التشريعات والقوانين التي يعدها النظام لتمريرها من خلال برلمانه المزيف والتي سوف تضر بمصالح العمال . - الإيقاف التام لبرنامج خصصه المؤسسات المملوكة للدولة كما ينفذ الآن والذي تهدر فيها ملكية الشعب ومصالح العمال، ومراجعة اتفاقيات بيع المؤسسات التي سبق وتم تخصيصها لكشف ما بها من إهدار وفساد ومحاسبة المتسببين فيه - الإيقاف الفوري لاستيراد كل السلع التي يتم تصنيع مثيلها في مصر لحماية الصناعة الوطنية خاصة صناعة النسيج لوقف خراب وإفلاس المصانع المصرية. هذه المطالب إذا المطالب التي لا تتعلق بطبيعة البناء الاقتصادي السياسي الذي تختلف فيه القوى السياسية يمكن أن تشكل برنامجا موحدا نتوجه به للطبقة العاملة جزء من مطالب التغيير الديمقراطي الذي لن يتم إلا إذا كانت هي ابرز قواه. هذا هو ندائي إلى قوى التغيير الديمقراطي خاصة الجمعية الوطنية من اجل التغيير والتي يجب أن يتجاوز انحيازها لمصالح العمال مجرد تبنى هذه المطالب بل تقديم رؤى أكثر تفصيلا توضح طبيعة ما يمكن أن يجنوه في حالة انحيازهم الكامل والنشط لقوى التغير في صورة مشروعات لقوانين كخطوة أساسية لاكتساب ثقتهم ولخفض حجم المعاناة والضحايا التي يقدمها الوطن يوميا مع استمرار نظام الفساد والاستبداد.