لا يمكن متابعة المواجهة التي احتدمت مؤخرا بين عملاقي الإنترنت الأمريكيين جوجل وفايسبوك، من دون التفكير في سؤال واحد : هل فقدت جوجل أعصابها أخيرا؟ قرارها حذف فايسبوك من "جهات الاتصال" على بريد جيميل لم يهز منافستها الكبرى، الأخيرة ردت بهدوء ودون إعلان، فحذفت البريد الشهير من قائمة "استيراد الأصدقاء" على فايس بوك، وعلى الرغم من ذلك فإن "المعركة" لازالت – على ما يبدو – في بدايتها. ليس من النادر أن يتحول التنافس الطبيعي في عالم البيزنس إلى صراع مباشر، لكنه صراع بدت فيه جوجل – لأول مرة منذ تأسيسها – في محل رد الفعل، الشركة التي طالما سبقت تفكير منافسيها، والتي نجحت في احتكار عمليات البحث على الانترنت حتى تحولت "الجوجلة" إلى مرادف لغوي، تشرب الآن من الكأس التي سقتها مرارا لمايكروسوفت وياهو، إذ أن الفايس بوك لم يعد فحسب هو الأسرع نموا على الشبكة، بل لقد سبق جوجل في مدة التصفح، في أغسطس الماضي تجاوزت فايسبوك جوجل للمرة الأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية بنسبة ثلاثة فاصل عشرة في المئة، استغرق الأمريكيون نسبة 9.9 % من بقائهم على الشبكة في تصفح فايس بوك، بينما منحوا جوجل نسبة 9.6 فقط، تزداد خطورة النسبة لدى معرفة أن "تصفح جوجل " لا يعني عمليات البحث فقط، بل يتضمن كذلك استعراض موقع "يوتيوب" الشهير واستخدام بريد "جيميل"، وكلاهما تابعان لعملاق البحث الذي حل في المركز الثاني قبل موقع ياهو، الذي كان يحتل المركز الأول قبل عام واحد. احتلت جوجل موقعها في عالم الإنترنت عبر مزيج من الإبداع الخلاق ومعرفة احتياجات المستخدمين ربما قبل أن يفكروا فيها، حتى صارت "قصة جوجل" مضرب الأمثال في عالمي الاقتصاد والتكنولوجيا معا، لذا فإن قصة فايسبوك، التي لها من الجاذبية الدرامية حد أن تحولت إلى شريط سينمائي للمخرج ديفيد فينشر، كان لها أن تتفوق على دراما جوجل ولكن في أرض الواقع، إلى درجة أن جوجل بررت قرارها بحذف فايس بوك من جهات الاتصال على جيميل، بأن اعتبرت أن "استيراد بيانات الأصدقاء من على موقع فايسبوك يجعل المستخدم سجينا في زنزانة فايسبوك"، والواقع أن تلك الكلمات التي تضمنها بيان جوجل ليست سوى اعتراف غاضب بنجاح فايسبوك، إذ هل يمكن لأي شركة في العالم أن تطمح لأفضل من ذلك: أن "تسجن" مستخدميها في مجالها الاقتصادي؟ جوجل نفسها فعلت ذلك بأن جمعت بين خدمة البحث عبر www.google.com والبريد الإلكتروني عبر www.gmail.com ، وتلفزيون الإنترنت عبر www.youtube.com لم تكتف خدمة بحث جوجل بأن أطاحت المنافسين فحسب، بل نجحت من خلال التطوير الدائم في إلغاء فرصة أي منافس مستقبلي، بحيث أصبحت أهم مشكلة تواجه مواقع البحث الأخرى هي أن المستخدم لا يشعر بالحاجة لأن يجرب محرك بحث آخر، وباقتحامها مجال البريد الإلكتروني، أجبرت جوجل منافستيها مايكروسوفت وياهو على توسيع حجم وحدات تخزين البريد، التي لم تكن تزيد عن عشرة ميجابايت فقط، و250 ميجابايت لمستخدمي الولاياتالمتحدةالأمريكية، بدأت جيميل نشاطها بحجم واحد جيجا، مما نقل البريد الإلكتروني إلى مستويات أخرى وحوله من خدمة تراسل إلى ما يشبه وحدة تخزين شبيهة بوحدات أجهزة الكمبيوتر ذاتها، والأهم أن تطوير جيميل وتحديثه المستمر أضر كثيرا بسيطرة المنافستين الأساسيتين على سوق التراسل الإلكتروني، بحيث ظلتا في المنافسة فقط بحكم أسبقيتهما، وبدا واضحا أن المستقبل لجيميل، إلى أن أعلنت فايسبوك مؤخرا عن توفير خدمة تراسل إلكتروني شاملة، ويبدو أن خدمة facebookmail التي ستنطلق قريبا كانت الضربة الموجعة لطموحات جيميل، إذ أتى الإعلان عنها بعد وقت وجيز من نفي عملاق البحث نيته إطلاق شبكة اجتماعية منافسة بعنوان googleme ، كان الخبرالأخير قد تردد فيما يشبه بالون اختبار، لكن بريد فايس بوك المرتقب أطلق غضب جوجل، فإذا كان الفايس بوك هو "السجن" فإن إضافة بريد إلكرتوني سيبني السورالأعلى حول النزلاء. هكذا، أوقفت جوجل تعاونها مع الفايسبوك في خدمة "البحث عن أصدقاء"، بموجب هذه الخدمة يستطيع مستخدم فايسبوك أن يبحث عن معارفه المسجلين على بريده الإلكتروني "جيميل، هوتميل ، ياهو .. إلخ" ممن يستخدمون فايسبوك، ومن ثم يطلب إضافتهم كأصدقاء إلى حسابه في فايسبوك، أوقفت جوجل تعاونها وأغلقت قاعدة بيانات مستخدميها في وجه فايسبوك، لكن المنع لم يمتد إلى خدمة facebook contact، وهي خدمة لا يستطيع المستخدم من خلالها أن يتصل بالمسجلين على بريد جيميل مباشرة، لكنه يستطيع أن يحفظ ملف بياناتهم لديه على جهاز الكمبيوتر، ومن ثم يقوم بتحمليه إلى فايسبوك الذي "يتم المهمة"، هذا المنع (الجزئي) جاء ردا على الرفض السلبي من قبل فايسبوك مشاركة معلومات مستخدميها مع جوجل رغم أن الأخيرة تقدم بيانات مستخدميها للأولى، كما أن فايسبوك تتبادل البيانات بالمثل مع هوتميل وياهو فقط، ولكن فايسبوك ردت على إجراء جوجل الجزئي بتصعيد مباشر، ببساطة ومن دون إعلان، حذفت فايسبوك موقع جوجل من قائمة المواقع التي يستطيع مستخدم فايسبوك أن يدعو أصدقائه من خلالها مباشرة، وهي قائمة تبدأ بهوتميل وياهو، ولا تنتهي بمواقع مثل www.verison.net ، إجراء يقول ببساطة أن الشبكة الاجتماعية ذات النصف مليار مشترك لا تخضع للتهديد ولا تعبأ بالتعاون مع جوجل العملاقة التي لا يمكنها التراجع الآن، فقد بدأت حرب تكسير العظام الافتراضية.