لا أحب المقالات التى تبدأ عادة بموقف شخصى للكاتب، يتحفك سيادته بعنوان مثير لموقف شخصى متوهما أنك ستضرب أخماسا فى أسداس لمعرفة ماذا حدث له فى هذا الموقف، أشعر وقتها أن الكاتب يريد أن يدلل على أهميته الزائفة وعلى إيمانه الواهى برد فعل القارئ الوهمى تجاه موقفه الشخصى ومعاناته الخاصة، دون أن يعرف المسكين أن القارئ عنده من الاهتمامات _كفاية عليه أسعار السكر_ ما يشغله عن مواقف لا تخصه، ولهذا فسوف أحترم نفسى ولن أقص عليك عزيزى القارئ ماحدث لشقيق زوجتى، الطالب فى الثانوية العامة وحكايته فى مدرسته الثانوية التى تعد من أرقى المدارس فى منطقة المرج والتى يتم دخولها لعدد محدود من الطلاب وبمحسوبية شديدة، كل هذا لأنها من ضمن المدارس التى تشرف عليها شخصيا السيدة قرينة الرئيس ضمن مشروع المائة مدرسة المطورة. المشكلة أن هذا الكاتب لا يتركك تتجرع تفاهة عنوانه المثير ولا موضوعه الشخصى فحسب، بل يجذبك بخبث ليشرح لك الموضوع بإسهاب مملّ فى الفقرة التالية من المقال، ولهذا فإننى عندما استمعت إلى شقيق زوجتى، قررت ألا أقع فى هذا الخطأ، فالطلاب فى المدرسة الثانوية إياها لم يتسلموا إلى الآن كتب اللغة الإيطالية بالإضافة إلى العديد من الكتب الأخرى، المشكلة ليست فى غياب الكتب بالطبع فهذا أمر من أبجديات أى وزير للتعليم يتسلمه مع مفتاح الوزارة، ولكن المشكلة عندما دخل عليهم أستاذ اللغة الإيطالية المحترم بكل صرامة صارخا فيهم: اللى هييجى من غير كتاب الإيطالى الحصة الجاية مش هيدخل الفصل(!).. طب ياأستاذ فين الكتاب؟ اسألوا المَدرسة.. طب يامَدرسة فين الكتاب؟ اسألوا الأستاذ.. هل يُسمح بالكتب الخارجية؟ بالطبع لا أيها الفاشل.. وهل توجد كتب خارجية أصلا؟ لا تنس قرارات وزير التعليم _مش مشكلة التربية_ الخاصة بالكتاب الخارجى.. ونتيجة لهذا فقد ذهب الطلاب الذين لم يتسلموا كتاب الإيطالى إلى المدرسة التى لم تسلمهم كتاب الإيطالى وجلسوا أمام الأستاذ الذى أمرهم بإحضار كتاب الإيطالى(!)، وكان عقابهم مزيج من الضرب واللكمات فى البطن والظهر لكل طالب، ليضرب الأستاذ لطلابه مثلا فى كيفية الاهتمام برياضات الدفاع عن النفس.. وليضرب بتعليمات الوزير بعدم الضرب عرض الحائط والسقف ودورات المياه(!)، مع العلم أن نسختين فقط من كتاب الإيطالى ذهبتا لذوى الواسطة فى الفصل.. هذه الأمور الشخصية البحتة مادخل القارئ فيها ليقصها الكاتب عليه إذن؟ هل يكتفى الكاتب "الخنيق" بسرد قصته ووضع علامات التعجب والاستفهام خلف كل جملة ليرحم القارئ وخلاص؟ أبدا.. إنه يحاول فى كل مرة أن يلوى القصة لتصل به إلى مرفأ السياسة بأمان، يحاول أن يطبّق قصته على الأوضاع السياسية فى البلد.. ماهذا الهراء؟ مادخل قصة هذا الأستاذ الذى عاقب طلابه من أجل كتاب الإيطالى الذى لم يتسلمونه بالسياسة؟ ما دخل هذه القصة بالانتخابات والحزب الوطنى وحزب الوفد والإخوان؟ فالحزب الوطنى يطالب كل الأحزاب والأفراد بالمشاركة فى الانتخابات.. تتضرع له كل الأحزاب: يا أستاذ مفيش نزاهة.. مفيش ديمقراطية.. مفيش عدل.. مفيش حرية.. مفيش كتاب إيطالى، يرد عليهم صارخا: ماليش دعوة.. اللى مش هيدخل الانتخابات مالوش فى البلد ولا يدخل الفصل تانى، تهرع الأحزاب إلى الحكومة: ياحكومة فين الديمقراطية والنزاهة؟ اسألوا الحزب.. طب ياحزب فين الديمقراطية والنزاهة؟ اسألوا الحكومة.. طب ياجماعة ينفع كتب خارجية؟ ينفع مراقبة دولية للانتخابات؟.. بالطبع لا أيها الفشلة.. لا تنسوا سمعة مصر وكرامة مصر.. دا احنا اللى قفلنا جاردن سيتى عشان السفارة الأمريكية مش هنعرف نقفل صناديق؟.. ونتيجة لهذا دخلت الأحزاب الانتخابات، وكان عقابهم مزيج من السيوف والرصاص والشوم وهتك الأعراض، ليضرب الحزب الوطنى لمنافسيه مثلا فى فرض العضلات والفوز بالذوق أو بالعافية، ولتضرب الحكومة مثلا فى التطنيش والموالسة على مجازر الانتخابات، وطبعا لا تجرؤ على أن تضرب بكلام الرئيس الذى تعهد بشفافية الانتخابات وأمانها وتنافسيتها عرض أى حائط سيراميك محترم (لاحظ أننى عريس جديد والعمر مش بعزقة) ولينسحب حزب الوفد والإخوان بعد آدائهم لأدوارهم الشرفية فى مسرحية الانتخابات المستمرة بنجاح منقطع الجماهير! إذا أراد القارئ تعميم هذا الموقف على كل تصرفات الحكومة _والحزب الوطنى معها_ مع الأحزاب الأخرى والشعب، فهذه مشكلة القارئ وليست مشكلة الكاتب "الخنيق" الذى يتفنن فى "تسويد" حياة القارئ وكأنه "تسويد" البطاقات الانتخابية، ففى كل مرة تتوالى طلبات الحكومة للشعب بأنه من الواجب الإيمان بالتقدم والرقى والرخاء الذى تنعم فيه مصر منذ ثلاثين عاما بالتحديد، وأننا لو كنا محترمين تحت هذا النظام الطاهر لنبتت لنا أجنحة من كثرة النغنغة، ولغنينا فى الشوارع "الرضا والنور والصبايا الحور"، ولو كنا محترمين لصدقنا أن الانتخابات نزيهة وكل أخواتها البنات، ولو كنا محترمين لأحضرنا كتاب الإيطالى! كل هذا ونحن نصرخ على الجانب الآخر أنه لا نزاهة ولا شفافية ولا عدل ولا رخاء ولا تنمية ولا حاجة أبدا فى هذا البلد.. كل هذه وعود زائفة صار المواطن يتجرعها مع الماء المقطرن، ويأكلها مع الطعام المسرطن، ويتنفسها مع الهواء الملوث.. شبعنا من الوعود التى ننام بموجبها فى انتظار معدل التنمية الذى لا نعرف ماهو، وفى انتظار زيادة عدد السفن المارة من قناة السويس التى لا نعرف أين أموالها، وفى انتظار زيادة عدد السياح الذين صارت مصر بكامل تاريخها من أجلهم متمثلة فى "شارع هرم" كبير، ولا نعرف أين تذهب أموالهم، وفى انتظار أن نتسلم كتاب الإيطالى! أعرف طبعا أنك عزيزى القارئ لست من النوعية التى تسأل الكاتب فى آخر المقال سؤالا بسيطا يقابله هو بسلامته بإجابة مملة غارقة فى الاستخفاف وإدعاء العمق ومحاولة الاستظراف، أنت أرقى من هذا بكثير، فبالطبع لن تسألنى: وليه بقى حزب الوفد دخل الانتخابات مادام عارف ان كتاب الإيطالى مش موجود؟.. لأنك لو سألتنى سأجيبك بنباهة: طمعا فى النسختين اللى موجودين فى الفصل طبعا!!!