انتهت الانتخابات... هي لم تبدأ أصلاً! و قد صدمت أنا و إخواني المواطنين بحدوث المفاجأة و حلول المعجزة باكتساح ائتلاف الحزب الوطني لمقاعد المجلس. من كان يصدق أن شيئاً كهذا ممكن الحدوث خاصةً بعد أن عودتنا ثلاثون سنة من الانتخابات النزيهة الشريفة العفيفة الحرة أن إرادة جماهيرنا العريضة و الكثرة الغفيرة الممثلة في 1-2% من السكان دائماً ما تنتصر فيأتي النواب على هوانا؟!! معذرةً، فأنا لا أستخف بعقل أحد، و إن كنت أسخر فمن فائض غيظي، و الحق معي ، إذ أعتقد أن الغالبية ( بجد هذه المرة!) يتفقون معي في أن جرعة الهزل كلنت زيادة 'حبتين‘ هذه المرة..أيضاً لما كنت رجلاً صريحاً فإني أود أن أنقل إلى ما يسمى بأحزاب المعارضة أعمق معاني الشماتة التي تستعر في صدر نفس إخواني المواطنين الأحياء منهم و الأموات اللذين 'صُوت‘ لهم دون أن يتزحزحوا من أماكنهم و قبورهم. .لقد برهن النظام مرةً أخرى بأنه لا يمكن التعويل عليه في أي إصلاح أو مشاركة حقيقية و ليس في هذا من جديد ، و مع اعترافي بفظاظة الأسلوب الذي اقصى به النظام معارضيه عن عضويتهم و تمثيلهم الشرفي والصوري المعتاد في المجلس، فإنني لا زلت أرى أن الدهشة و الجلبة مبالغٌ فيها، فما تغير هذه المرة هو الشكل فقط، أما المضمون، و هو ذلك الاستئثار و الانفراد الصلب العنيد بالقرار و السلطة فلم يتغير هذه المرة كما لم يتغير فعلياً من قبل، حتى في حضور الثمانية والثمانين عضواً من الجماعة المحظورة العلنية، و مع إقراري الراسخ بأهمية قراءة مواقف النظام و تحليلها، ففي اللحظة الراهنة ليس ذلك بالأكثر إلحاحاً.أنا لا يعنيني الآن إذا كان ما حدث الآن بسبب ميل كفة أحمد عز أم محمد ذُل أو تغلغل نفوذ هذا الجناح أم ذاك داخل ائتلاف الوطني...إن ما يعنيني حقاً هو أداء أحزاب المعارضة المشين و أوجه قصورها الذاتي و إخفاقها الفاضح. لقد ضلت بوصلة أحزاب المعارضة ضلالاً بيناً، يمكن تقرير ذلك بحسم! لقد أخطأوا منذ البداية عندما قبلوا الدخول فبي انتخابات لا تتمتع بأية ضمانات للشفافية؛ و ليس ذلك الضلال وليد اليوم أو البارحة، و إنما هو يفضح خللاً عميقاً في تصورات و مفاهيم وبنى هذه الأحزاب و في تقييمها للوضع السياسي و العملية السياسية في البلد. فمن الواضح أنه بعد سنين و سنين من الإبعاد عن السلطة و التهميش و الاختراقات و الضربات الأمنية و الإنهاك يئست هذه الأحزاب من الجماهير و الجماعات التي تدعي تمثيلها و لم ترَ مفراً من الخضوع لقواعد النظام و إملاءاته، فغدت المعارضة شكلية مهما بلغت شراسة الشعارات و مهما كانت الانتقادات مدببة، لأن هذه التنظيمات مرتبطة بحبلٍ سريٍ غليظٍ بالنظام، بل النكتة أن علاقاتهم بالنظام كعلاقته بأمريكا: يخضع لإملاءاتها و يستمد منها مسوغ بقاءه! و لعل من أعظم فوائد هذا التصرف الأرعن من النظام أنه كشف عن طبيعة هذه العلاقة الخاصة والعاطفية على الملأ حتى يرى الأعمى. في تقديري أن هذه الأحزاب ليس لها أن تشتكي الظلم وتصرخ من الجور فهم دخلوا الانتخابات و هم يعلمون أتم العلم و أبلغه أن تشكيلة المصطبة في ظل الوضع الحالي تأتي وفقاً للرغبات السامية و أن الصناديق لا تنطق و إنما ينطق بها النظام ما . لقد قبلوا اللعب وفقاً لقواعد النظام و شروطه و على أرضه خالعين عليه بذلك مشروعية تامة...تخلوا عن مرجعيتهم الشعبية التي تشكل مكمن قوتهم الوحيدة إزاء عضلات النظام الامنية و إعلامه ...هم قبلوا بالتمثيلية و إذ تبين أن الحكاية حكاية صفقات فقد كانوا ينتظرون أن ينظر إليهم النظام بعين العطف فيمنحهم عدداً أكبر من المقاعد لأدبهم و التزامهم و حسن سلوكهم ...بل كأني بأعضاء الحزب الواحد يرمقون بعضهم البعض في ريبةٍ و حسد متسائلين في سرائرهم:' يا ترى في الصفقة ولا مش في الصفقة؟!طبعاً مش هتقول بس تلاقيك مرتب أمورك‘ كم بعدت هذه الأحزاب عن مبادئها المزعومة و جماهيرها و كم فقدت من مصداقيتها! الأسئلة التي ثارت وما فتئت تضرب الرأس كالمطارق: ماذا كنتم تنتظرون من هكذا نظام؟ متى صدق؟! و ماذا تعني هذه الخمسة أو ستة مقاعد؟! هل ستغير من سير الأمور أم هل لها أية نفوذ أو سلطة على مجريات السياسة حتى تلهثوا وراءها؟! لقد أثبت النظام مرةً أخرى، ويا للأسف، أنه الأكثر حنكةً و ذكاءً... لقد سلمت له كل أحزاب المعارضة كل أوراقها بلا مقابل و لاضمانات فأثبت بحق أنه ' صايع قديم و مرقع‘ إذ أخذ منهم كل ما يريد و انصرف منتشياً دون أن يدفع مقابلاً..., إذا كان النظام لا يؤمن بالشعب فقد ضاهوه في ذلك و ما شعاراتهم إلا كشعاراته، جوفاء! هم ليسوا أكثر منه مبدأيةً و لكن أوفر غباءً، وما الخلاف بينهما سوى على السعر...قصة حقيرة و منفرة للغاية، خاصة أن النظام لم يكتفِ بذلك بل فضحهم و 'زفهم‘ على رؤوس الأشهاد...أستاذ!! أكرر مرةً أخرى أنهم هم اللذين جنوا على انفسهم حين سجدوا لربوبية النظام، فالنظام جاب ، والنظام أخذ، و النظام عليه العوض! ما العمل إذن؟ رُب ضارةٍ نافعة. لعل هذه الصفعة لأحزاب المعارضة تحدوهم أن يعكفوا على نقد أدائهم و التأمل في أخطائهم و و إعادة تقييم خطابهم لبناء معارضةٍ حقيقية ليست ك'معارضتي و شعبي‘ التي أتحفنا بها الرئيبس المؤمن.. عليهم أن يعودا إلى الناس، إلى الشارع، ذلك الذي أعانوا النظام على تيئيسه بصورةٍ منهجية و خصوصاً حين شاهد مهرجان الصفقات هذا فأدرك أنه لا يخصه ولم تزده 'رقصة المجنونة‘ هذه و سقوط الأقنعة عن الوجوه القبيحة التي ادعت الطهر و المبدأية إلا يأساًَ و لامبالاةً. إذا كانت الانتخابات لم و لن تؤدي إلى تغيير فليقاطعوها من البداية فإن ذلك أشرف و آلم للنظام، لا متأخرأ كما فعلوا مأكدين على انتهازيتهم و هزال حساباتهم . كلمة أخيرة ' واقفة في زوري‘ إلى القيادي المناضل المصنف يسارياً. لقد تفوقت على نفسك وعلى الجميع و نجحت في أن تكون على يمين الإخوان المسلمين!