يوم 30 نوفمبر الجارى تصدر محكمة القضاء الإدارى حكمها فى قضية الناشر شريف جاد- ناشر كراسة الأول- ضد قرار وزير التربية والتعليم برفع أسعار تراخيص الكتب الخارجية إلى مبالغ غير مسبوقة، وهى الدعوى التى رفعها أكثر من ناشر فى البداية ثم تنازلوا عنها بعد حدوث اتفاق بينهم والوزارة على دفع مبالغ معينة - لم يتم الإعلان عنها حتى الآن - مقابل منحهم التراخيص إلا أن شريف جاد لم يتنازل عن هذه القضية وأصر على استكمالها لأنه يرى أن الوزارة ليس من حقها رفع أسعار التراخيص إلى هذا الحد.. عن الكتب الخارجية وتراخيصها وكيفية تعامل الدول الأخرى معها كان لنا هذا الحوار معه... خلال أيام قليلة سوف يصدر حكماً فى دعواك ضد وزارة التعليم، فهل تعتقد أن الحكم سيكون لصالحك؟ أيا كان الوضع فأنا لازالت عند رأيى وهو أنه يجب تحقيق التنوع فى مصادر المعرفة، وبالتالى ينبغى إطلاق حرية النشر للكتب الأخرى التى لم تعتمدها وزارة التعليم؛ لأن التنافس الحر بين الفريقين لن يكون إلا فى صالح جودة المادة العلمية، كما أن وزارة التعليم تهدر الأموال العامة فى الإنفاق على هيئة ضخمة تتكون من عدد هائل من الموظفين، ولا عمل لها إلا الإشراف على إعداد وطباعة وتوزيع كتب الوزارة، وهى قطاع الكتب، وهذا العمل من المفترض أن يختص به الناشرون لأن هذه حرفتهم، وهم يستطيعون توفير الكتاب بثمن أقل بكثير مما لو قامت الوزارة بإعداده لحسابها. والوضع الصحيح هو أن يقتصر دور وزارة التربية والتعليم على وضع المناهج الدراسية، ويقوم الناشرون بإصدار العديد من الكتب التى تسير وفقا لتلك المناهج، ثم تنتقى الوزارة أفضل كتاب من تلك الكتب وتعتمده ليكون الكتاب الرسمى الذى يدرس داخل مدارسها، وتشترى من الناشرين الأعداد اللازمة لجميع التلاميذ لمرة واحدة، ثم تقوم كل عام بشراء الأعداد بدل التالفة فقط، والكتاب الذى تعتمده الوزارة يسمح لناشره أن يكتب عليه عبارة مفادها أنه الكتاب الوحيد الذى تسمح وزارة التعليم بتداوله داخل مدارسها؛ من أجل أن يكون البقاء للأصلح ، ومن أجل أن نمنع الاحتكار أو التلاعب. وهل فى رأيك أنه يمكن للوزارة أن تحقق هذا بسهولة ؟ وكيف يمكنها أن تسترد الكتب من الطلبة بعد استعمالها؟ أعتقد أن هذا من السهل تحقيقه إذا تم وضع خطة له، لكن المشكلة أن وزارة التعليم لديها فهم خاطئ لمجانية التعليم التى ينص عليها الدستور، فمجانية التعليم لا تستلزم امتلاك التلميذ للكتب الدراسية، بل يكفى لتحقيق المجانية أن يتسلَّم كل تلميذ مجموعة الكتب الدراسية على سبيل الأمانة، على أن تقوم المدرسة باستردادها آخر العام الدراسى، ولو قامت الحكومة بتطبيق هذه السياسة فإنها لن تتكلف نفقات طباعة كتب الوزارة إلا مرة واحدة، بدلاً من إهدار المال العام بإعادة طباعتها كل عام، وهذا النظام هو المتبع فى دول العالم الغنية ، فكيف لا نتبعه ونحن دولة فقيرة ؟ هل مجانية التعليم تعنى أن يمتلك التلميذ الكرسى الذى يجلس عليه فى المدرسة؟ كذلك لا تعنى المجانية أن يمتلك التلميذ الكتاب، بل يستعيره كما قلنا على سبيل الأمانة، وإذا انتهى العام الدراسى رده إلى المدرسة، وإذا أتلفه دفع ثمنه إلى المدرسة، وبأثمان النسخ التالفة تشترى المدرسة نسخًا جديدة لتحل محل النسخ التالفة قبل بداية كل عام دراسى، فهل تطبيق هذه السياسة شىء صعب ؟ هل مصر أغنى من الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تطبق هذه السياسة؟ وماهى الدولة التى تتبع هذا النظام ويمكن لمصر الاستفادة من تجربتها فى هذا المجال؟ هناك أكثر من دولة ففى سنغافورة - وهى الدولة المصنفة الأولى عالميًّا فى جودة نظام التعليم - توضع المناهج قبل إقرارها بنحو عام، ويبدأ الناشرون فى إصدار الكتب المتوافقة مع تلك المناهج بحيث يكون هناك العديد من الكتب للمنهج الدراسى الواحد، وتقوم وزارة التعليم هناك بانتقاء ما تشاء من تلك الكتب ، فتسمح لناشرى الكتب التى استحسنتها أن يكتبوا عليها ATL اختصارًا لعبارة Approved Textbook List التى تعنى أن هذا الكتاب تعتمده وزارة التعليم لتدريسه داخل مدارسها، وتتعدَّد الكتب المعتمدة فى المادة الدراسية الواحدة. هل هذا يعني أن وزارة التعليم هناك تفرض رقابة على الكتب بشكل أو بآخر؟ إطلاقًا ، ففرض الرقابة على ما ينشره الناشرون من كتب دراسية لا وجود له هناك ، بل إن اعتماد وزارة التعليم هناك لبعض الكتب دون غيرها يعنى فقط أن تلك الكتب معتمدة داخل المدارس، أما ما سواها من الكتب التى لم تعتمدها وزارة التعليم فإن التلاميذ يشترونها بكل حرية تحقيقًا لمبدأ وجوب تعدد مصادر المعرفة للانتفاع بها خارج المدرسة، فمثلا فى فنلندا - وهى الدولة المصنفة الأولى عالميًّا فى جودة التعليم الابتدائى - لا يوجد هناك أى نوع من أنواع الرقابة على نشر الكتب المدرسية، ولا يوجد هناك نظام اعتماد بعض الكتب للسماح لها بدخول المدارس كما هو الحال فى سنغافورة ، بل إن المدرسين لهم الحرية المطلقة فى اختيار أى كتاب خاص للتدريس داخل المدرسة ما داموا يرونه متوافقًا مع المنهج المقرر، بل إن المدرسين هناك لهم الحرية الكاملة فى أن يكتبوا بأنفسهم ما يدرسونه داخل المدرسة . وهل تعتقد أن عدم اعتماد وزارة التعليم فى مصر لأى من تلك السياسات هو الذى تسبب فى تلك الأزمات المتتابعة التى حدثت بين الوزارة والناشرين؟ طبعا ؛ لأن فكرة أن تحدث زوبعة كتلك التى حدثت فى مصر مؤخرًا بشأن الكتب الخارجية أمر من المستحيل أن يحدث فى أى دولة تعمل وزارة التعليم فيها بوعى ودراسة بما يحقق مصلحة الوطن، ومستحيل كذلك أن تحدث فى دولة عضو فى المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO ، لأن أحكام قوانين الملكية الفكرية تكاد تكون واحدة فى كل الدول الأعضاء، ومما هو مسلم به عالميًّا أن المناهج - شأنها شأن المعايير والمبادئ والأفكار وطرق العمل - مستبعدة من الحماية، وما دامت جميع الكتب الدراسية بما فيها كتب الوزارة مستمدَّة من المنهج فكل كتاب منها يتمتع بحقوق الملكية الفكرية على طريقته الخاصة فى تناوله لهذا المنهج . إذاً فى رأيك هل الهدف من وراء قرارات الوزير الأخيرة بخصوص النشر لم تكن أهدافًا علمية أو تربوية أو فى مصلحة الوطن؟ أظن أن القرار الذى أصدره وزير التعليم والذى أثار كل تلك المشكلات كان قرارًا سياسًّا أو اقتصاديًّا، ولم يكن الهدف من ورائه علميًّا أو تربويًّا، وأظن أن الغرض من إصداره كان تحقيق إحدى غايتين : إما أن يكون الناشرون قادرين على دفع ما تطلبه الوزارة فتستغل الوزارة ما يدفعونه من أموال فى مضاعفة الحصة المخصصة لكتاب الوزارة من الميزانية، وبالتالى يمكن أن يصبح كتاب الوزارة أفضل حالاً، وإما أن يعجز الناشرون عن الدفع ويتوقفون عن النشر، فتقوم الدنيا ولا تقعد، ويعلو صوت الرأى العام مطالبًا بعودة الكتاب الخارجى ومعلنًا عدم جدوى كتاب الوزارة ، فيسهل بذلك اتخاذ القرار بالتوقف عن طباعة كتاب الوزارة باعتبار أن ذلك مطلب شعبى وإن كان يخالف ما نص عليه الدستور من مجانية التعليم قبل الجامعى، وأنا أحذِّر الحكومة من اتخاذ قرار بهذا الشأن دون دراسة واعية جدًّا وحذرة جدًّا. وما رأيك فيما قاله وزير التعليم عن وجود مايسمى بمافيا الكتب الخارجية؟ ماقاله السيد الوزير هو أن هناك مافيا كانت تتعمد تأخير إصدار كتب الوزارة إلى ما بعد صدور الكتب الخارجية ، ثم إذا به يمنح تراخيص نشر الكتب الخارجية لأكبر دار نشر كانت مطابعها تجمع بين كتب الوزارة والكتب الخارجية والتى يحمل بعضها نفس أسماء مؤلفى كتب الوزارة ، وهذا أمر يثير العديد من الشكوك والتساؤلات، مثلا ألم يكن لوزارة التعليم فى السابق كامل السلطة على إدارة أمور طباعة كتبها ؟ ألم تكن الوزارة هى التى تختار مطابعها ؟ ألم تكن الوزارة تضع ما تشاء من شروط جزائية للتأخير عند توقيع تعاقداتها مع تلك المطابع؟ وإذا كان الجواب "نعم" ، فهل كانت رأس تلك المافيا داخل أسوار وزارة التربية والتعليم ؟ وهل تم استئصال تلك الرأس ؟ وما أسماء أعضاء تلك المافيا من مؤلفى كتب الوزارة ؟ وهل تم إبعادهم عن مناصبهم بعد أن ثبت أنهم يؤلفون الكتب الخارجية ؟ والآن وبعد صدور بعض التراخيص للكتب الخارجية ، هل يا ترى كوفئ أحد أعضاء تلك المافيا وتم منحه ترخيصًا بنشر كتبه الخارجية دون غيره ؟ ..الآن يجدر بالسيد وزير التعليم الرد على كل هذه التساؤلات لنرى هل عوقب المسىء بذنبه ، أم أن المسىء نجا وعوقب غيره بذنبه ، أم أن المسىء كوفئ وعوقب البرىء ، أم أن تلك المافيا كانت وهمًا من الأوهام. لكنه أيضا اتهم الكتب الخارجية بأنها سبب رئيسى فى إفساد مناخ التعليم فى مصر..ماتعليقك؟ الحقيقة أن أكثر مشاكل التعليم فى مصر ترجع إلى ضعف الميزانية المخصصة للتعليم من أموال الدولة، ولا شأن للكتب الخارجية بشىء من ذلك، فكثيرًا ما أعلن السيد وزير التعليم أن الكتب الخارجية هى سبب فساد التعليم فى مصر، مع أن تلك الكتب - كما هو واضح من اسمها - خارجية، ولا شأن لها بما يحدث داخل المدارس من إهمال وتقصير إدارى ، ولا دخل لها بضعف رواتب المعلمين بكل ما له من آثار سلبية ، ولا دخل لها بعجز كتاب الوزارة عن أداء دوره ، ولا دخل لها بشحة الوسائل التعليمية والأدوات المعملية وأجهزة الكمبيوتر داخل المدارس ، ولا دخل لها بما يملأ قلوب التلاميذ من نفور من المدارس. إن الكتب الخارجية مجموعة من المراجع العلمية التى يلجأ إليها بعض التلاميذ بمحض اختيارهم فى الساعات التى يقضونها خارج المدرسة تعويضًا عما فاتهم من المعرفة داخل المدرسة ، أو استزادة من المعرفة عن طريق البحث فى مصادرها المتنوعة، أو بحثًا عن الأسئلة والتدريبات استعدادًا لدخول الامتحانات. وكون تلك الكتب خارجية ينفى عنها تهمة إفساد التعليم داخل المدارس . ولعل أدمغ حجة تدفع تهمة إفساد التعليم عن الكتب الخارجية أن يتنازل المدعى عن اتهاماته مقابل مبلغ من المال ، وكأن مجرد الامتناع عن دفع الإتاوات يفسد التعليم .