المصرى كائن منتظر بطبيعته .. يتخذ من مقولة "فات الكتير ما بقى إلا القليل" شعاراً رئيسياً له فى الحياه .. الصبر هو فضيلته .. و أيوب هو بطله .. و الحكومة هى مأساته .. و "ما حدش بينام من غير عشا" هى حكمته الخالده .. لهذا .. و أثناء عملية إنتظاره السرمدية تلك لما لا يجىء .. يتنامى لديه إعتقاد يرقى مع الوقت إلى مرتبة اليقين مفاده أن الله يحب الفقراء .. و يعتبر الجوعى و البسطاء منهم أبناءاً له .. لهذا قرر استبدال عذابهم فى الآخرة بعذابهم فى الدنيا .. و هو الإعتقاد الذى يترتب عليه إختزال الرغبة فى التخلص من هذا الوضع اللا إنسانى المتمثل فى الجوع و الفقر و البؤس من الثورة عليه و تغييره إلى مجرد الإنتظار و حسب .. إنتظار الموت و تصحيح الأوضاع الدنيوية المشقلبة حيث يبرطع الفقير و الجائع من دول فى الجنة مبلبطاً فى أنهار عسلها و خمرها و منفقاً وقته فى التودد إلى كواعبها الأتراب و قاطفاً عنقود عنب من تلك الشجرة و عابباً كأس خمر من ذلك النهر .. بينما حكامه و حكوماته يتلظون العذاب و السعير فى نار جهنم و بئس المصير .. و هذا من وجهة نظر الجائع هو رد الإعتبار الأمثل له على كل تلك البهدله التى اتبهدلها فى الدنيا و على كل تلك الشحططة التى اتشحططها فى حياته الأولى .. و فى هذا الصدد عزيزى الجائع إسمح لى أن أرخم عليك و أفيقك من خيالاتك و أوهامك و أخبرك بأن فقرك لا يعد سبباً كافياً لدخولك الجنة .. قد يكون كافياً جداً لدخول من أفقروك النار .. و لكن فيما يخص دخولك أنت الجنة .. لا أعتقد ذلك ! و لأن المصرى مؤمن بالفطرة .. لهذا .. و فى حالة عدم إنتظاره للموت كحل نهائى لظروفه الصعبه فإنه ينتظر حلاً ربانياً آخر للأمور .. حلاً يتكفل فيه خالقه بإعادة الأمور إلى نصابها بالنيابة عنه .. كأن تمتلىء سماء القاهره فجأة بطيراً أبابيل ترمى الأشرار و الفاسدين و المفسدين بحجارة من سجيل و تنتقم للفقراء منهم .. و فى هذا الصدد عزيزى الجائع إسمح لى أن ارخم عليك للمرة الثانية و أخبرك بأن هذا لن يحدث .. خلاص .. كان فيه و خلص .. و المعجزات لا تكرر نفسها .. هى تحدث مرة واحدة فقط لإعطاء عبرة عامة للبشر ثم تختفى بعدها للأبد فى دولاب المعجزات السماوى تاركة للبشر التصرف فى حياتهم كما يحلو لهم بعد ذلك ! إذن .. الفقر ليس سبباً كافياً لدخول الجنه .. و عصر المعجزات قد انتهى خلاص .. ما الذى يتبقى للبائس من دول من حيل نفسية يهون بها على نفسه بؤسه و شقائه و حزبه الوطنى ؟ .. ليس أمامه سوى الرجوع إلى شعاره الرئيسى فى تلك الدنيا الفونيا .. "فات الكتير ما بقى إلا القليل" .. طب متى يمكن للمصرى أن يزهق و يتنازل عن ذلك الشعار الإنتظارى و عن هذا الصبر الإختيارى و ينتفض من بعد طول أنتخه ؟ .. عندما يكتشف أنه فات الكتير و لسه باقى كتير برضه .. مش قليل و لا حاجه !