من المعتاد في أسبوعي أن يكون يوم الثلاثاء هو اليوم الذي تحمل طياته مصيبة أو مشكلة، لكن لسبب أو لآخر حمل يوم الاثنين الأول من شهر أكتوبر الجاري المصيبة المرتقبة، والتي أعتقد أن أثارها ستظل تلازمني أثارها لفترة طويلة، هذا اليوم كان ميعاد سهرتي الأسبوعية لمراجعة صفحة الفن التي ستصدر ضمن عدد جريدة الدستور ليوم الأربعاء السادس من أكتوبر، والذي يعد عددا تاريخيا ليس فقط لتزامنه مع احتفالات كل المصريين بنصر أكتوبر بل أيضا بسبب العدد الذي صدر في نفس اليوم ويحمل زيفا أسم الدستور، هذا اليوم هو أيضا اليوم الذي عاد فيه صديقي محمد عبد الكريم للعمل بالجريدة بعد أجازة طويلة وقرر أن يسهر معي، فقبل كل شئ هي سهرة مراجعة العدد الأسبوعي وهى السهرة التي شهدت جلسات نميمتنا منذ تقريبا بداية عملي بالجريدة. الجديد في هذا اليوم أنه على الرغم من محاولاتي، ومحمد عبد الكريم لاختصار مائة كلمة من أحدى الموضوعات، إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل حتى بعد انضمام أحمد خير الدين، ومحمد طارق لنا في محاولة منهم للمساعدة، لنجد بعدها أن الوقت قد سرقنا جميعا وأن الساعة العاشرة والنصف، ويجب علينا الآن الوقوف أمام الوجه الغاضب لسكرتير التحرير عبد المنعم محمود، والذي عندما يصل الأمر لعملة لا يتفاهم تقريبا، وهو ما حدث فعلا دخل عبد المنعم الغرفة وسأل "أختصرتوا" فجاءت أجابتنا علي السؤال بالصمت، سأل بعدها عن الصفحة وتناولها وخرج، استعدينا بعدها للنزول جميعا، فمهمتنا عند هذا انتهت وحمل عبء الاختصار عبد المنعم، أو هكذا اعتقدنا، فهذا الاختصار كان مشكلتنا الكبرى في هذا الوقت لنصطدم بعد نزولنا من مقر الجريدة بقرار إقالة الأستاذ إبراهيم عيسى من رئاسة التحرير، فقررنا العودة لمقر الجريدة مرة أخرى، والذي كنا قد تركناه منذ نصف الساعة للتأكد من صحة الخبر، وبمجر نزولنا من التاكسي الذي أقلنا لشارع أحمد نسيم حيث كان المقر، هرولنا جميعا وصعدنا السلم بسرعة لنجد رضا إدوارد في وجهنا يستعد للنزول، نتجاهله ونكمل الدرجات المتبقية للدور الأول، لنجد عبد المنعم يؤكد صحة الخبر ويدعونا للجلوس، ليعود بعدها رضا إدوارد إلى المقر وقد تخلى عن "جاكيت البدله" التي كان يرتديها مشمرا عن ذراعيه يصيح، ويهدد، ويتوعد، مواجها عبد المنعم الذي أكد منذ اللحظة الأولى مع الزملاء اللذين تواجدوا بالمقر أنهم لن يعملوا إلا تحت مظلة الأستاذ إبراهيم عيسى لتصل حالة العصبية بإدوارد مبلغها مطلقا جملته الشهيرة "أنه رجل أعمال منذ وقت طويل، وقادر على إصدار الجريدة برجله"، وأنصرف. أتذكر هذه اللحظات الأولى من الاعتصام الممتد حتى الآن، كما أتذكر أول مرة خطت قدماي مقر الجريدة، يوم الأربعاء العاشر من فبراير 2010، وهو اليوم الذي بلغ فيه أرتباكي مبلغه لدرجة أنني عند دخولي لغرفة قسم الفن بالجريدة لم أتذكر وجوه الجالسين، تذكرت فقط وجه دعاء سلطان وهى تحدثني "تبدأ من بكرة، تعالى وعبير هتفهمك كل حاجة"، لم أتذكر وقتها وجه عبير عبد الوهاب، كل ما أتذكره عن هذا اليوم هو سعادتي بقبولي ضمن محرري قسم الفن بجريدة الدستور، وهو الشئ الذي لم أكن أحلم به، لكنه تحقق. ما بين العاشر من فبراير، والرابع من أكتوبر ما يقرب من ثمانية أشهر شهدت العديد من الأحداث التي شهدتها، منها صداقاتي التي تكونت مع العديد من الزملاء بالجريدة من مختلف الأقسام، والتي حملت أسمائهم بعد ذلك وجوها عرفتها وأحببتها، أتذكر المرة الأولى التي دعتني فيها عبير وأخبرتني بأنني سأقوم بترجمة الأخبار الفنية الأجنبية بشكل يومي، كما أنني سأقوم بالكتابة في صفحة الأفلام والمسلسلات الأجنبية التي يشرف عليها إيهاب التركى، إلى جانب الزميل العزيز إلى قلبي محمود لطفى، أتذكر المرة الأولى التي أمسكت فيها ببروفة الصفحة والتي يصطلح على تسميتها ب "السبعينة" لأن حجمها 70% من حجم صفحة الجريدة، بعد أن نهرتني عبير ومنعتني بلهجة ووجه صارمين من الاقتراب منها في بداية وجودي بالجريدة، أتذكر أول حوار أقوم بتحويله من مسموع إلى مقروء، وأتذكر أنني ظللت أقوم "بتفريغه" من شرائط التسجيل لمدة ثماني ساعات، مراعيا الدقة في نقل كل كلمة، مما أضطر حميدة أبو هميلة إلى السهر فى الجريدة حتى السابعة مساء لتقوم بإعداده للنشر، الأمر الذي كلفني دوما أن أكفر عن هذا الخطأ بأن أحضر لحميدة لبان يوميا، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى جيب ملئ باللبان أقوم بتوزيعه على جميع زملائي بالجريدة، وغير ذلك العديد من الذكريات التي تبدأ "بأول مرة"، والتي يمتلئ بها عقلي وأسترجعها يومياً وأنا مستلقي على سريري في حجرتي في الوقت الذي كان من المفترض أن أكون بالجريدة أعمل. كل هذه الذكريات بالإضافة إلى أحلامي المستقبلية، زد عليها مئات الذكريات والأحلام الأخرى التي عاشها، وتمناها زملائي فى الجريدة ممن عرفتهم، ومن لم أعرفهم، أصدمت بسد عالي جديد، يعد من انجازات العصر الحديث والذي قام ببناءة عديدين من أمثال رضا إدوارد، والسيد البدوى، ولكن ليس بالجهد، والعرق، وبذل التضحيات، بل بالنفوذ، والسلطة، والمال، ليمنع سيل هذه الأحلام والذكريات من التدفق وشق طريقها للأعلى، ولنقف أمام هذا السد الذي يستمر في الارتفاع، ويمنع أحلامنا في وطن أفضل، ويسمح لقضايا فتن طائفية بلهاء، وفقر، وجوع، ومرض، بالمرور لتكون هي المحرك الأساسي لشعب كامل لا لشئ سوى.... استمرار حال كما هو علية، بل وينحدر للأسوأ. الدستور مثل لي وللعديدين غيري أطار يضم هذه الأحلام والتي لن تتوقف أمام سد رضا، والبدوي، وقد تبدو هذه الأحلام صغيرة في الوقت الحالي لكنها بالتأكيد ستكبر وتعظم فيما بعد.