أهلا يا عم صابر .. خير ان شاء الله .. هكذا بدأ صديقي المحامي حديثه مع ذلك العجوز الذي اقتحم المكتب وقطع علينا خلوتنا وحديثنا الطويل عن أحوال البلد.. خير يا استاذ عايز أرفع قضيه .. هكذا اجاب المدعو عم صابر .. وهنا هممت بالاستئذان حرصا مني علي خصوصية حديث صديقي المحامي مع موكله الذي بادرني بقوله : اجلس يا استاذ .. استحلفك بالله ان تجلس فالقضيه ليس فيها اسرار بل علي العكس انا حريص ان يعلمها كل الناس فهي ببساطه قضيه شفعه. -- صلو علي النبي – اللهم صلي وسلم وبارك عليه – رددت انا وصديقي المحامي بينما استطرد عم صابر في حديثه : انا عندي زرعه ست قراريط شرق البلد قريبه من بيتي ازرعها برسيم لاجل الجاموسه التي تعولنا انا والمرأة الكفيفه واحفادي لابني الوحيد شهيد العباره .. يجاورني في هذه الارض أحد أقاربي بمساحه ربع فدان مثلي ورثنا انا وهو هذه الارض من الاجداد . قضينا ما مضي من العمر ونحن نزرع الارض في سلام .. أمر من ارضه الي ارضي لا يغضب ، وترعي حمارته وجاموسته في ارضي لا يهم.. بل هذا يسعدني .. سنوات طويله ونحن علي هذا الحال اخوه متحابين وفجأه وبدون سابق انذار علمت انه باع هذه الارض لشخص أخر من عائله اخري تقطن غرب البلد .. علمت ذلك حين جاء المشتري الجديد للارض وقال : انا اشتريت الارض دي يا عم صابر انا واخي الصغير والحال سيبقي كما هو .. احنا اهل ولن يتغير شيء .. الوضع كما هو عليه . واظهرت الرضا بحديثه الطيب مخفيا غضبي من قريبي الذي باع الارض بدون سابق انذار وبدون علمي .. عدت الي المنزل وسألت عن قريبي فأبلغوني انه سافر الي القاهره وسيعود بعد اسبوع بأذن الله .. ايام ثلاثه مضت وانا اقلب هذا الامر الذي حدث فلا اجد لي فيه راحه .. تقول زوجتي الكفيفه وهي تسمع صوت حيرتي بطول الليل فتقول انت مازلت صاحي .. خليها علي الله .. ونعم بالله .. هكذا اجيب .. وفي اليوم الرابع حملت نصف شكارة كيماوي سوبر علي الحماره وذهبت الي الارض ووجدت الاخ الاصغر للمشتري والذي ابلغني انه شريكه .. القيت عليه السلام وحرصا علي مشاعره ربطت الحماره بعيد عن الغيط وحملت الكيماوي ومررت به في المجري الصغير الذي يوصل الماء لارضي وارضه .. واذا به يقول: ماينفعش كده يا عم صابر انا اشتريت الارض دي من اخي ولي نظام آخر غير نظام أخي وكل واحد يعرف حدوده وعلي العموم شوف لك طريق لارضك بعيدا عن ارضي وده حقي .. زعلان .. بسيطه .. عليك لبيع ارضك لي او لغيري واشتري غيرها في مكان آخر ....هل يصح هذا يا استاذ ؟ ولم اكن ادري انه توجه بهذا السؤال لي انا .. قلت : نعم .. ؟ قلتها بصيغة السؤال .. توجه عم صابر بالكلام الي صديقي المحامي قائلا : خليني معك انت صاحبك لم يستمع لاي حرف من كلامي . وشعرت بالحرج الشديد من حديث عم صابر عني .. والحقيقه ان حديث عم صابر جعلني افكر في قضيه تشغلني هذه الايام قريبه الشبه الي حد كبير بقضيه هذا الفلاح الفصيح عم صابر .. وبدات اتابع من جديد وباهتمام بالغ ما يدور من حديث بينه وبين صديقي المحامي حتي استفيد بذلك في قضيتي .. وبدا صديقي المحامي يحدثه ببساطه عن كيفيه البدء في قضيه الشفعه بعد ان سأله بعض الاسئله التوضيحيه في الموضوع ثم قال صديقي المحامي : شوف يا عم صابر احنا هنرفع قضيه شفعه لكن يجب ان تعلم انه يتحتم علينا ان نودع كامل ثمن الارض في المحكمه لاثبات الجديه قبل المضي في القضيه وبعد كده كل شيء سهل ومضمون بأذن الله ورد الفلاح الفصيح صابر : موافق يا استاذ والفلوس جاهزه كمان .. قلت في نفسي : فلوس ؟! .. وكمان نودع كامل الثمن .. مفاجأه لم احسب لها حساب ، وبدأت الاسئله تتواثب في رأسي من اين لي بهذه الفلوس ؟ لايداع كامل الثمن والذي اظن بل انا علي يقين من ان هذا المبلغ فوق حدود طاقتي انا وكثير من امثالي بل انه ربما يفوق حدود خيالنا مجتمعين .. سيل هادر من الاسئله والافكار يكاد يعصف برأسي .. افقت منه علي صوت عمي صابر وهو يستأذن للمغادره بعد ان اتفق علي جميع الخطوات التي تمكنه من المضي في قضيتي ، ووجدتني بعد ان انصرف عم صابر اتوجه الي صديقي المحامي بالحديث : انا عايز ارفع قضية شفعه ؟!! وابتسم صديقي ابتسامة ساخره ( ايه يا ابني اللي بتقوله ده؟ ) .. قلت لا تسخر فأنا جاد في كل ما اقول واريد فعلا ان ارفع قضية شفعه ضد هؤلاء الذين اشتروا جريدة الدستور وهم بأن يقاطعني ساخرا .. قلت : دعني اكمل حديثي لقد ادهشتني القوة والبساطه التي يدافع بها امثال هذا الفلاح البسيط والتي نفتقر اليها نحن معشر المثقفين ..! رد صديقي المحامي : هذا الفلاح يدافع عن نفسه ضد ما يتعرض له من اضرار وانت تدافع عن من ؟ عن ابراهيم عيسي ؟! قلت : لا .. انا ادافع عن نفسي فأنا اكثر تضررا من ابراهيم عيسي .. فهؤلاء الذين اشتروا الجريدة سدوا نافذة الحريه التي كنت استنشق منها بعض الهواء النقي في هذا الجو الخانق ، ولو انني التقيت بهذا الفلاح من قبل لوقفت في وجه هؤلاء الذين باعوا المصانع وشركات القطاع العام بحجة انها خاسره كان من الممكن ان اقف في وجوههم حميعا وارفع ضدهم قضايا شفعه .. لكن الحمد لله قدر.. الله وما شاء فعل ، سوف ابدا بالمواجهه من الان سارفع قضيتي ضد من اشتروا جريدة الدستور ، رد صديقي المحامي : سأفترض ان هذا من حقك فمن اين لك بهذا المال الذي دفعوه لتودعه حتي تثبت انك جاد في دعواك .. قلت : لقد فكرت في هذا كثيرا ووصلت الي حل مثالي .. قال صديقي المحامي : هات ما عندك يا فالح .. قلت : أنه في عهد لم يكن الناس ينعمون فيه بمثل هذه الحريه التي يؤكد الحزب الحاكم اننا نعيشها ! نجح الوطنيون في الدعوه لاكتتاب شعبي لعمل تمثال نهضة مصر وهو من روائع اعمال الفنان محمود مختار .. الا نستطيع نحن الان ان ندعو لاكتتاب شعبي لشراء جريدة الدستور ؟ قال صديقي : عموما هي فكره وان كانت لا تخلو من الجنون ولكن ماذا لو ان الوقت ( وهو عنصر مهم في القضيه ) – ماذا لو ان الوقت لم يسعفك لجمع كامل الثمن الذي دفعه المشترون والذي اعتقد انه ضخم جدا ؟ قلت : علي العموم لن نخسر شيء والمهم اننا حاولنا ، ثم ان هناك مشروع آخر بديل في حالة جمع كل المبلغ .. قال صديقي: وما هو المشروع البديل ؟ قلت نقوم باقامة تمثال اخر نصور فيه البدوي وادوارد الذين اشتروا الجريدة وهم يذبحون ابراهيم عيسي ومن خلفهم وقف مسئول كبير يبتسم ويرفع يده ليشير بعلامة النصر !! قال : هل اخترت اسما لهذا التمثال ؟ قلت : فلنسميه تمثال نكسة مصر .. اليس عجيبا ان يواكب ذلك كله احتفالنا بانتصارات اكتوبر ؟!! الديمقراطية هي الحل مع الاعتذار للدكتور علاء الاسواني