لا أعرف كيف توصل إبراهيم عيسى إلى تليفوني حين اتصل بي أوائل التسعينيات. كانت الظروف قد اضطرتني لمغادرة القاهرة والإقامة في بلدي دمياط، إذا بصوته البشوش على التليفون يطلب منى أن أحضر إلى مقر مجلة روزا اليوسف لأساهم في لقاء حول الرواية الجديدة في مصر، بالفعل انطلقت إلي المجلة ذات المهابة الكبيرة آن ذاك. كان زملاء الندوة- مالم تخني الذاكرة- فتحي امبابى ومحمود الوردانى وأظن الراحل يوسف أبو رية إن لم تكن ظروف سفره إلى السعودية منعته من الحضور ليلتها. استقباله الذي يشعرك انك صديقه منذ زمن طويل طمأنني وفك عقدة لساني وأسهمت بدوري في اللقاء.أفرغ الندوة ونشرها في المجلة. عجبت لهذا الشاب النشط والذي لايعرفنى والذي يدفعه حبه ونشاطه للوصول لكل مكان يمثل قيمة ما خارج المعايير المرعية في الصحافة السائدة وقتها. في روزا ليوسف تابع أخباري وقد كنت وقتها أعانى من البعد عن العاصمة الذي يودى بالكثيرين إلى النسيان. استمرت إقامتي بد مياط، تغير كل شيء بما في ذلك تليفوني، وفاجأني تليفون من إبراهيم عيسى يدعوني لأكتب في الدستور في إصدارها الأول. كنت لم اكتب في أي مكان منذ فترة وكتبت للدستور مقال"سينما..سينما" ثم أغلقت الدستور الأولى ومضى زمن ثم طلب منى أن اكتب لجريدة يعدها هي "ألف ليلة". كنت قد تزوجت ورزقت بابنتي "مي" فكتبت مقالاً عنونته "مي". صودرت ألف ليلة في المطبعة بعد أن أعلن عنها في الأهرام. اتصلت به ماذا ستفعل يا إبراهيم قال لي : لو وجدت حائطاً لأكتب عليه سوف تكتب معي على هذا الحائط. لم يخلف وعده، كان هذا الحائط هو جريدة حزبية باسم "الديمقراطية" فو جئت بها وقد نقل إليها مادة ألف ليلة كاملة ومن ضمنها مقالي عن ابنتي. صودر العدد في اليوم ذاته رغم توقيع إبراهيم باسم" شادي عز الدين"، ثم كانت الدستور الأخيرة التي واكبت عودتي للقاهرة. طلب منى مقابلته في الجريدة، حالت الظروف دون اللقاء لكنه طلب منى أن اكتب فيما أريد وفى أي شيء أحب وبالفعل كتبت زاوية "أساطير" التي من خلالها تمكنت من التواصل مع جيل جديد نشأ في غيبتي، وصرت في طريقي للانتهاء من كتاب اجترأت فيه على لحظات كنت أظن أنني لن اجترئ عليها، تمكن رأس المال هذه المرة من تخريب الدستور، وتوقفت الأساطير. اكتب هذه الكلمات وأنا في بيتي بالقاهرة، تليفوني معطل، بالرغم من ذلك انتظر مكالمة من صديقي.