رئيس الوزراء الباكستاني يدعو الأمن القومي إلى اجتماع عاجل والأمم المتحدة تعرب عن قلقها    أول زيارة له.. الرئيس السوري يلتقي ماكرون اليوم في باريس    ملف يلا كورة.. الزمالك يشكو الأهلي.. مصير بيسيرو.. وإنتر إلى نهائي الأبطال    فيديو خطف طفل داخل «توك توك» يشعل السوشيال ميديا    «كل يوم مادة لمدة أسبوع».. جدول امتحانات الصف الأول الثانوي 2025 بمحافظة الجيزة    عاجل.. الذهب يقفز في مصر 185 جنيهًا بسبب التوترات الجيوسياسية    شريف عامر: الإفراج عن طلاب مصريين محتجزين بقرغيزستان    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    مستقبل وطن يطالب بإعادة النظر في مشروع قانون الإيجار القديم للوحدات السكنية    "اصطفاف معدات مياه الفيوم" ضمن التدريب العملي «صقر 149» لمجابهة الأزمات.. صور    د.حماد عبدالله يكتب: أهمية الطرق الموازية وخطورتها أيضًا!!    المؤتمر العاشر ل"المرأة العربية" يختتم أعماله بإعلان رؤية موحدة لحماية النساء من العنف السيبراني    متحدث الأوقاف": لا خلاف مع الأزهر بشأن قانون تنظيم الفتوى    الجيش الباكستاني: مقتل 3 أشخاص على الأقل وإصابة 12 آخرين في الهجوم الهندي الأخير    التلفزيون الباكستاني: القوات الجوية أسقطت مقاتلتين هنديتين    ترامب يعلّق على التصعيد بين الهند وباكستان: "أمر مؤسف.. وآمل أن ينتهي سريعًا"    في يومها ال578 .. أبرز تطورات الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة    الهند: شن هجمات جوية ضد مسلحين داخل باكستان    مسيرات أوكرانية تعطل حركة الملاحة الجوية في موسكو    الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    بيسيرو يكلف محاميه الخاص بملف فسخ عقده مع الزمالك ويرفض طلب ميدو    موعد مباريات اليوم الأربعاء 7 مايو 2025.. إنفوجراف    سيد عبد الحفيظ يتوقع قرار لجنة التظلمات بشأن مباراة القمة.. ورد مثير من أحمد سليمان    موعد إجازة مولد النبوي الشريف 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    حبس المتهمين بخطف شخص بالزاوية الحمراء    السيطرة على حريق توك توك أعلى محور عمرو بن العاص بالجيزة    قرار هام في واقعة التعدي على نجل حسام عاشور    ضبط المتهمين بالنصب على ذو الهمم منتحلين صفة خدمة العملاء    ارتفاع مستمر في الحرارة.. حالة الطقس المتوقعة بالمحافظات من الأربعاء إلى الاثنين    موعد إجازة نصف العام الدراسي القادم 24 يناير 2026 ومدتها أسبوعان.. تفاصيل خطة التعليم الجديدة    سحب 45 عينة وقود من محطات البنزين في محافظة دمياط    "ماما إزاي".. والدة رنا رئيس تثير الجدل بسبب جمالها    مهرجان المركز الكاثوليكي.. الواقع حاضر وكذلك السينما    مُعلق على مشنقة.. العثور على جثة شاب بمساكن اللاسلكي في بورسعيد    ألم الفك عند الاستيقاظ.. قد يكوت مؤشر على هذه الحالة    استشاري يكشف أفضل نوع أوانٍ للمقبلين على الزواج ويعدد مخاطر الألومنيوم    «أنتم نادي غير ملتزم».. الغندور يكشف رد مدرب الترجي الصادم على عرض الزمالك    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 7 مايو 2025    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    بدون مكياج.. هدى المفتي تتألق في أحدث ظهور (صور)    نشرة التوك شو| الرقابة المالية تحذر من "مستريح الذهب".. والحكومة تعد بمراعاة الجميع في قانون الإيجار القديم    حسك الفكاهي الساخر سيجلب المشاكل.. برج الجدي اليوم 7 مايو    لحظات حاسمة لكن الاندفاع له عواقب.. حظ برج القوس اليوم 7 مايو    كندة علوش: الأمومة جعلتني نسخة جديدة.. وتعلمت الصبر والنظر للحياة بعين مختلفة    سيصلك معلومات حاسمة.. توقعات برج الحمل اليوم 7 مايو    بعد نهاية الجولة الرابعة.. جدول ترتيب المجموعة الأولى بكأس أمم أفريقيا للشباب    معادلا رونالدو.. رافينيا يحقق رقما قياسيا تاريخيا في دوري أبطال أوروبا    رحيل زيزو يتسبب في خسارة فادحة للزمالك أمام الأهلي وبيراميدز.. ما القصة؟    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد رأفت عثمان يكتب :المسلمون ليسوا ضيوف مصر
نشر في الدستور الأصلي يوم 01 - 10 - 2010

في الأعراف والتقاليد المستقرة، وكل لغات العالم، سواء كان في الدول المتقدمة حضارياً أو التي بين بين، أو القبائل التي ما زالت علي بدائيتها في حياتها، أن معني كلمة «الضيف» هو الشخص الذي ينزل عند أحد غيره برضاه، سواء كان فرداً، أو جماعة، أو دولة، أو حتي برنامجاً إذاعياً أو تليفزيونياً، أو فندقاً أو داراً للضيافة التي تقيمها بعض المجتمعات، ثم من المؤكد مغادرته ومفارقته الجهة المضيفة، طالت فترة الضيافة أو قصرت، كما في البرامج التي تبثها الإذاعات والقنوات التليفزيونية.
وهذا المعني للضيافة غير محتاج إلي تأكيد، فلا يسمح أحد لضيف عنده في أي مكان في الدنيا أن يظل دائم الإقامة لا يغادر وإلا أصبح مشاركاً للمضيف في ملكية مكان الضيافة بوضع اليد.
وإذا كان هذا هو مفهوم الضيافة عند جميع الأفراد والجماعات والأمم، فهل يجوز أن ينطبق هذا المفهوم علي وجود المصريين المسلمين علي أرض مصر، تحت ادعاء أنهم ضيوف علي مسيحيي مصر، وأنه سيجيئ يوم طالت المدة أو قصرت يقول فيه المصريون المسيحيون للمصريين المسلمين: «مع السلامة يا جماعة، آنستونا وشرفتونا وابقوا زورونا تاني» كما نقولها عادة في توزيع الضيوف الذين يأكلون عندنا أو يشربون، أو لا يأكلون ولا يشربون؟!.. إن منظر المصريين المسلمين سيكون حينئذ طريفاً ومحزناً، مؤلماً خرافياً في نفس الوقت، لوجود الملايين من البشر يتوجهون إلي مطارات وموانئ المحروسة والفيافي والبحار والوديان لمغادرة بلد استضافهم مدة طويلة جداً علي غير عادية الضيافة، ولا يعرفون أين يتوجهون بأولادهم و«عزالهم».
هل هذا المعني الذي يعرفه البشر في كل بقاع الدنيا للضيافة ينطبق علي العلاقة الوجودية علي أرض مصر المحروسة بين المسلمين والمسيحيين؟ السؤال غريب علي شعب مصر، بل علي كل شعوب الدنيا متحضرها و«غلبانها»، والذي أدي إلي إثارته هو الكلام الذي صدر عن أحد رجال الدين المسيحي في مصر، وهو الأنبا بيشوي، يعتبر فيه أن المسلمين ضيوف علي المسيحيين في أرض مصر.
والأنبا بيشوي، لمن لا يعلم من غير أرض مصر، ليس رجل دين عادياً بل إنه كما هو معروف قيادة من القيادات المسيحية المصرية، والشخصية الثانية في قمة الرياسة بعد البابا شنودة في الكنيسة الأرثوذكسية، وعلي هذا فلا يصح أن يمر كلامه دون الوقوف عنده لخطورته لكونه صدر عن رجل دين بهذه الحيثية التي ذكرناها.
إنه يبني حكمه علي أن المسلمين غادروا الجزيرة العربية واستقروا في مصر في الفتح الإسلامي مع عمرو بن العاص الذي كان قائدهم، فهم ضيوف سكان مصر من المسيحيين، ولو تكلمنا بالمفهوم الذي قاله الأنبا بيشوي، وصدرت الأحكام بمقتضي هذا المفهوم الغريب السريالي (نسبة إلي السريالية المعروفة في الفن) لأصبح العالم فوضي لدرجة يصعب تصورها، فالتاريخ مليء بالهجرات، وانتقال القبائل والعشائر، والعائلات من أرض إلي أخري، واستقرارها في منطقة أخيرة اختارتها، وأصبحت تُنسب إليها وتحمل جنسيتها.
فكثير من الأسر المصرية - مثلاً - أصولها سودانية مهاجرة إلي أرض مصر، واستقرت من عقود كثيرة مضت، وما زالت تبدو هذه الأصول في لون بشرة أبنائها في أجيالها المتتابعة بفعل الوراثة وتأثير الجينات حتي الآن، وثبتت مصريتها وولاؤها لهذا الوطن، فهل يكون من المتصور والمقبول عقلاً أن نقول لهذه العائلات سودانية الجذور: أنتم أهل مصر، وجنسيتكم التي اكتسبتموها فيها جنسية طارئة، لأنكم مجرد ضيوف علي أرضنا؟!.
ونفس الحال بالنسبة إلي بعض الأسر الشامية التي استقرت في مصر وأصبحت نسيجاً من نسيج شعبها، وأوضحها الأسر التي أسست الصحافة، والفن، كالأسرة التي أسست الأهرام، ودار الهلال، وروز اليوسف.
وكثير أيضاً من الأسر المصرية تركية الجذور، بل أصول الأسرة المالكة نفسها في مصر لم تكن مصرية كما هو معروف، لكنها استمرت في الحكم بوصفها أسرة مصرية، وقل أن وجد الشعور بين المصريين بأنها غرس أجنبي حتي بعد قيام ثورة 23 يوليو، وقضائها علي النظام الملكي، ولا يعقل أن يقول قائل الآن إن أحمد فؤاد آخر ملوك مصر الذي خلعته الثورة ليس مصرياً، وقد زار مصر قريباً بجواز سفر مصري، كأي مواطن مصري عادي.
وفي المقابل هاجرت بعض الأسر المصرية إلي السودان وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين، ولم يمنعها هذا من أن تكون جزءاً من نسيج شعوب هذه البلاد.
لو سرنا علي الفكر الذي أعلنه الأنبا بيشوي وحكمنا علي أبناء الوطن الواحد بمقتضي هذا الفكر، لأصبحت صورة الشعوب جميعاً صورة سريالية غير مفهومة، كالسريالية في الفن والأدب التي تتجه إلي ما فوق الواقع وتتجاهله ولكنا بذلك قد عملنا علي تأجيج نيران العداوة والبغضاء بين كل أبناء الشعوب الموجودة علي ظهر الأرض.
إن المسيحية ليست وطناً وإنما هي دين، وقد تعددت في مصر الأديان من قديم، حتي دخلتها المسيحية، وكما اعتنق المسيحية مصريون، فقد اعتنق المصريون أيضاً الإسلام، فالمسيحيون جزء من أهل مصر والمسلمون مشاركون لهم في هذه الصفة.
ولنرجع إلي ما يقوله أساتذة متخصصون في القضية التي نتكلم فيها، يقول أستاذ المصريات الدكتور عبد الحليم نور الدين: «إن مصر عاشت في ظل تعدد الأديان في العصر الفرعوني، إلي أن دخلتها المسيحية، فاعتنقها بعض المصريين، وظل آخرون علي معتقداتهم القديمة، وبالتالي يمكن القول إن مصر عرفت الدين منذ فجر التاريخ، والمسيحيون مصريون قدماء آمنوا بالمسيحية، وعندما دخل الدين الإسلامي آمن به بعضهم وبقي آخرون علي دينهم.
وليست المسألة بالأقدمية، فأصحاب الأرض الحقيقيون هم الفراعنة، ونحن جميعاً من الفراعنة ندين بالمسيحية والإسلام، والدليل علي ذلك أن كلمة «قبطي» لغوياً وحضارياً تعني (مصري) وليست (مسيحي) ولا يجوز لأحد أن يقول عن المسلمين إنهم دخلاء علي مصر لأنهم جاءوا مع عمرو بن العاص، فلا أحد دخيلاً علي الآخر، وإنما هم جميعاً أصحاب هذه الأرض، ولا دخل هنا لمسألة العقيدة (صوت الأمة 2010/9/25)
ويؤكد أستاذ التاريخ المصري الدكتور رءوف حامد عدم جواز ادعاء احتكار أحد للوطن دون الآخر، ويُبيِّن أنه إذا نظرنا إلي التاريخ المصري وجدنا أن من حافظ علي الديانة المسيحية من الانقراض علي أيدي الرومان الذين بطشوا ببعض المسيحيين، وقتلوا آخرين منهم، حتي إن كثيراً من المسيحيين فروا بدينهم إلي الجبال والمغارات هو الإسلام والمسلمون الذين جاءوا وخلصوا مصر كلها من البطش الروماني.
وأكد الدكتور رءوف حامد أن وصف المسلمين بأنهم ضيوف علي مصر أمر مرفوض، فتاريخياً كلمة «قبطي» تعني كل من يسكن مصر، وليس من يدين بالمسيحية، وخلال التاريخ المصري لم تثر مثل هذه القضية إلا في هذه الآونة التي ظهرت فيها أكثر من محاولة لإقرار ما يسمي بالقومية المسيحية والتي ظهرت في سنة 1957 باسم الأمة القبطية.
ويُبين الدكتور صلاح الخولي أستاذ المصريات أن الذين دخلوا مصر من القبائل العربية في زمن الفتح الإسلامي لم يتعدَّ عددهم 4 آلاف جندي لا يمثلون في ذلك الوقت إلا نسبة 5% من مجموع المصريين، وقال: «وإذا قارنا بين النسبة والتناسب في وضع السكان هذه الأيام نجد أيضاً أن نسبة المسلمين 95% والمسيحيين 5% مما يعني أن 90% دخلوا الإسلام، وبقي 5% هم الأقباط، إضافة إلي ال 5% الأخري المتمثلة في العرب الوافدين مع عمرو بن العاص» (صوت الأمة 2010/9/25).
من كل ما سبق يتضح تهافت الدعوي التي يدعيها الأنبا بيشوي، ومن يؤمن بزعمه أن المسلمين ضيوف علي الأقباط في أرض مصر، ويجب أن يكون مفهوماً أن إثارة هذه الدعوي أمر خطير جداً يؤدي بالقطع إلي تزايد حالة الاحتقان التي قد يكون من أسبابها حوادث فردية تحدث في كل بقاع العالم، ولا يجوز أن تؤدي إلي هذه الحالة الجديدة علي شعب مصر الذي انفرد طوال العصور ببعده علي فترات التاريخ عن العصبية المحقونة، والتي مازالت بعض المجتمعات العربية تعاني منها.
إذن فإن واجب وسائل الإعلام بجميع صورها من صحافة وإذاعة، وبرامج تليفزيونية، ورجال الدين المسيحي، وعلماء الإسلام، (وقد ذكرت رجال الدين المسيحي أولاً للمعني الذي انبني عليه هذا المقال) علي جميع من ذكرنا أن ينشروا بين الناس في مصر روح المحبة وولاء الجميع لوطن واحد يضم كل من يحمل جنسيته، دون إثارة مثل هذه الدعوي الغريبة علي أرض هذا الوطن.
إن الجميع علي أرض مصر مصريون، فمصر هي وطن لكل من يحمل جنسيتها، وليست لطائفة دون أخري، وإذا كانت إحدي الطائفتين هي الخيوط الطويلة في نسيج الوطن، فالطائفة الأخري هي خيوط نسيجه العرضية التي تلحم بها هذه الخيوط الطويلة، وكما هو التعبير اللغوي فإن إحداهما سُدي النسيج وهو ما يمد طولاً فيه، والأخري لحمته وهي خيوطه العرضية التي يلحم بها السُّدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.