آفة الصحفي عدم الاستعداد، التعجل والخفة، ليس تقصيرًا علي طول الخط ولكننا نضطر إليه اضطرارا تحت وطأة المطبعة التي لا تنتظر ولا ترحم. حين التقيت بالكاتبة الإنجليزية «هيلين دنمور» لم أكن أعرف عنها سوي بعض المعلومات المتناثرة التي قرأتها علي الإنترنت في عجلة، إنجاز ضخم في مجالي الرواية والشعر علي السواء، حصلت علي جائزة الشعر القومية الكبري في بريطانيا، أول كاتبة تحصل علي جائزة الأورانج عام 1996، تعتبر روايتها «زينور في الظلام» من أهم الروايات المعاصرة، كانت لدي معلومات متناثرة (وأضفت إليها حين رأيتها معلومة جديدة، وهي أنها جميلة جدًا ) ولكنني ذهبت لإجراء الحوار علي أي حال. ترحيب في البداية وأسئلة حذرة تروح وتجيء في البداية علي سبيل التعارف، وإذا كانت آفة الصحفي عدم الاستعداد فآفة الروائي حدة البصيرة. نظرت لي وسألت بمكر « هل قرأت كتابي ( الذهاب إلي مصر )؟ » أسقط في يدي، كيف ذهبت لأحاورها وأنا لا أعرف أن لها كتابًا يحمل اسم بلدي كعنوان، ابتسمت في تسامح ومدت يدها في حقيبتها «علي أي حال أتيتك بنسخة هدية وأتمني أن ينال إعجابك».. أستكمل حواري معها وتحدثني عن رغبتها القديمة في زيارة مصر، أسألها عن كتاب ترشحه للترجمة من كتبها فتقول وهي تبتسم «زينور في الظلام» التي يصر النقاد أنها أهم أعمالي، والتي تحكي جانبا من حياة الكاتب الإنجليزي د.ه. لورنس فترة الحرب العالمية الأولي وهي فترة أظن أنها متعلقة بتاريخ العالم العربي بشدة، بالإضافة أن كتب السير الذاتية قابلة للترجمة في كل وقت لأنها قادرة علي استثارة اهتمام الجميع، طبعاً أرشح للترجمة الكتاب الذي بين يديك. أظن أنه سيكون من المناسب أن يتعرف علي القاريء العربي بكتاب يستعير عنوانه من عنده. في رواية «الذهاب إلي مصر» التي تقع في 144 صفحة تحلم كوليت بأن تحزم أمتعتها وتنطلق إلي البعيد، تحلم أن تفوز بجائزة المدرسة لكتابة الرحلات ولكن كيف يحدث ذلك وهي لم تذهب إلي أبعد من شارعهم. تقول في أول الكتاب. تقرأ لي هيلين دنمور من كتابها « مصر. آه. تتوجه إلي هناك وتجلس لتخربش عن الأهرامات والجمال وتشعر بالحزن تجاه المتسولين والفقراء؟!. الشعور بالحزن تجاه الفقراء خطوة جيدة لكاتب الرحلات، إنها توضح أنك لست سائحًا غربيًا عديم المشاعر. كم سيكون جميلاً أن تتجول بين أصدقاء لا يعرفون كلمة إنجليزية واحدة ويمنحونك الطعام بينما هم أنفسهم لا يجدون شيئا يأكلونه. ولكن كيف يمكنني الذهاب إلي مصر»، الرواية مكتوبة للشباب بلغة بسيطة وسلسة ولكن عميقة تبدأ من رغبة كوليت في السفر ثم تتطور لحيرة بين رغبتها في صديق، كاز، الذي يعرف كيف تكون فنون الغواية، وروبرت الذي يشاركها حبها في القراءة والكتابة والسفر ولكنه ليس خبيرا بالنساء مثل كاز، تعرف هيلين دنمور كيف تقدم شخصياتها وكيف تتطور القصة بين يديها عبر أسئلة تتجاوز الزمان والمكان الذي تدور فيه الأحداث كما أن مصر تظل في خلفية الرواية مثل الحلم الجميل. تقول هيلين عن كتابها «في هذه القصة تقول الساردة، الشابة الصغيرة التي تحلم بالذهاب لمصر ولكنها لا تستطيع ذلك. مصر بالنسبة إليها حلم، يمثل نقيضًا لتجاربها اليومية المملة، قرب البيت.كانت تشعر بأنها لو قامت بزيارة ستكون قادرة علي أن تهرب من كليشيه الأهرامات والجمال وتكتب شيئًا جذابًا وأصيلاً قادرا علي انتزاع جائزة المدرسة لأفضل مقالة. كنت أريد أيضًا أن أشير للمفارقة حول الطريقة التي ينظر بها الغربيون لمصر والعالم العربي، تحويله لعالم غرائبي. بطلتي في الرواية لا تذهب لمصر في النهاية لكنني أتمني أن يكون مصيري أفضل منها وأن أستطيع تحقيق هذا الحلم يوما ما». نحن أيضًا نتمني أن تزور الكاتبة الإنجليزية هيلين مصر كما تحلم، كما نتمني أن يتحمس أحد المترجمين لهذه الرواية البسيطة العميقة، الجميلة مثل كاتبتها الجميلة.