منذ الطفولة وأنا أنظر إلي المسيحيين من جيران الشارع وزملاء المدرسة نظرة مليئة بالتقدير والحب بسبب ما كنت ألمسه فيهم من أدب وأخلاق كريمة زائدة عن الحد الذي كنا نعرفه!. نعم كان زملائي بالفصل من المسيحيين مؤدبين ولا تخرج من فمهم العيبة علي العكس منا نحن الذين كنا نمزح ونتبادل السباب مع بعض ونتشاجر ونتضارب ونلحق ببعضنا الأذي. كنت أندهش لأن رفاقنا من المسيحيين كانوا يحتملون رزالات البعض ممن كانت تغريهم السماحة بالإساءة إليهم، وأقصي رد فعل رأيته يصدر من أحدهم كان: ربنا يسامحك!. أدركت منذ الصغر أن المسيحية دين عظيم يعلي من قيم التسامح والعفو والرحمة رغم أنني كنت أتمني لأصدقائي منهم أن يتخلوا عما يعده البعض جبناً وأن يُظهروا بعض الغضب عندما يكون مستحقاً!. مرت سنين وتغيرت الدنيا وبدأنا نسمع عن أقباط المهجر الذين أظهروا قدراً من الغضب لم نصدقه أو نستوعبه لفرط جنوحه وغلوه مستندين إلي البعد المكاني والباسبور الأجنبي!. لكن أول لقاء حقيقي باللهو الخفي الذي كنا نسمع عنه المسمي أقباط المهجر حدث عندما ذهبت إلي كندا. ذات يوم كنت جالساً بأحد المقاهي التي تجمع المصريين عندما كانت قناة فضائية تذيع فيلماً دينياً مما يعرض في المناسبات، وحينها علا صوت أحد الجالسين بالسخرية من الإسلام ورسوله علي نحو أصابني بصدمة. والذي أجهز علي ما تبقي مني أن الآخرين جاوبوه في فاصل طائفي بغيض من التهكم البذيء وسب دين المسلمين لدرجة أنني ظننت نفسي أحلم لأن الجالسين في معظمهم كانوا ممن تربطني بهم علاقات مودة، ويبدو أنهم لم ينتبهوا لوجودي فأخذوا راحتهم علي الآخر!. خرجت من المقهي وقد تغيرت فكرتي عن القبطي الطيب الذي كنت أعرفه بعد أن التقيت للمرة الأولي بالقبطي الوقح! وتساءلت بيني وبين نفسي: هل كانوا هكذا طوال الوقت ولم نكن نعرف؟. هل أحببناهم لصفات لم تكن فيهم وكنا نتوهم وجودها؟. هل كلهم هكذا أم أن من بينهم من لا يزالون يتحلون بأخلاق المسيحية الحقة؟. صارحت أصدقائي المقربين من المسيحيين بما في داخلي فأجابوني بأن تصرفات جانب من المسلمين قد ساهمت في إخراج المسيحيين عن طبيعتهم وتحولهم علي هذا النحو، وبأن ظلم الدولة وتمييزها ضدهم له دور أيضاً.. ووجدت نفسي رغم صدمتي موافقاً علي هذا التفسير. لكني عندما قرأت في صيف 2008 عن محاضرة جرت بأمريكا ألقاها قس مصري اسمه توماس من كنيسة بالقوصية قال فيها إنه يشعر بالغضب عندما يقول أحد عنه إنه عربي، وقال إن المسلمين بمصر غزاة مستعمرين وأشياء من هذا القبيل كلها تنضح بالكراهية والبغضاء.. عندما سمعت هذا أدركت أن المصيبة كبيرة وأن التحول الذي حدث لا يعود فقط إلي المتطرفين من المسلمين أو إلي الدولة الظالمة لكنه يعود بالأساس إلي قساوسة لا يتحلون بأخلاق المسيح ملأوا عقول العامة من الأقباط بتخاريف مثل هذه، وتعجبت من أن هذا القسيس لا يعرف أن أفكار العروبة والوحدة نشأت في الشام علي يد مسيحيين ولم يأت بها مسلمو الجزيرة العربية. وتخاريف أخري كالتي قرأناها منسوبة للأنبا بيشوي تقول: إن الأقباط هم أصحاب البلد، وأن المسلمين ضيوف عليهم، وتخاريف ثالثة تتحدث عن آيات قرآنية تم تأليفها في عهد عثمان!!. وعلي الرغم من أن هذا الكلام الفارغ يسهل الرد عليه وهلهلته فإن المصيبة الكبري فيه أن أتباع بيشوي لا شك يؤمنون بهذا الكلام ويصدقونه لأنه صادر عن قيادة كنسية كبيرة ولا شك أن هذا الكلام يتردد في كل كنائس مصر ويرضعه الأطفال مع ببرونات الحليب!. ما يحزنني بشدة هو أنني أصبحت مدركاً أن بعض قيادات الأقباط لا تريد بالأقباط خيراً ولا تعنيها مصلحتهم قدر اهتمامها بالشو السياسي والمنظرة وتحدي القانون في حماية إسرائيل وأمريكا وأصحاب مشروع التوريث.. وأبشر السادة أصحاب المشروع الطائفي البغيض والآخرين أصحاب مشروع التوريث بأن أحداً منهما لن ينفع الآخر عندما يأتي يوم الحساب!.