ذقني طويلة..وثمة هالات سوداء ثقيلة متراكمة ترقد أسفل عيني وتجسد أرق القرون الماضية التي أمضيتها بعيداً عن فراشي..ذات يوم سوف أكتب فيلماً عن شعر ذقني..أجل..أشعر أن شعر ذقني يحتوي علي ذكريات كثيرة فاسدة..وأفكار حمقاء وسيئة وإباحية ! دعونا نتصور هذا في شكل سيناريو قصير: شاب في الثلاثين من العمر..يستيقظ في الصباح لينظر في مرآة الحمام .. ذقنه طويلة ربما لم يحلقها منذ أيام أو ربما لأسبوع أو أكثر.. سوف تكون لديه نفس الهالات السوداء الموضوعة أسفل عيني..ولكن ستكون الملائكة التي تحصد شعر رأسه أقل همة من تلك التي تسكن صلعتي. ينظر الشاب إلي نفسه في المرآة..عيناه ثقيلتان مشدودتان لأسفل ربما كنتيجة طبيعية لثقل الهالات السوداء أسفلها..بمجرد أن يمس ذقنه تنطلق فلاشات صوتية وبصرية كثيرة..مع كل شعرة تلمسها أصابعه تنطلق ذكري كئيبة أو فكرة فاسدة أو لقطة ملوثة بذنب أو قوسين يضمان خطيئة. تزداد سرعة مرور يد الشاب علي ذقنه ومع ازديادها تزداد الذكريات كآبة وفساداً وإباحية وسوءاً وتلوثاً. يبدو كأن وجود ذقنه بارزة من مسام وجهه يسبب له ألماً كاملاً أو عذاباً مسيطراً. يمد الشاب يده إلي الرف الزجاجي الموضوع أمام مرآة الحمام .. يلتقط معجون الحلاقة والفرشاة ويبدأ في تدليك ذقنه بالمعجون..في مونتاج سريع يطمس المعجون كل الذكريات والأفكار السيئة ويعجنها في بعضها البعض . في لقطة قريبة نشاهد موس ماكينة الحلاقة وهو ينتعش بالماء..ويجلو بريقه. نتابع ارتفاع الموس إلي ذقن الشاب ثم نتحرك معه وهو يبدأ في جز الشعر مصحوباً بمؤثر صوتي ملحمي وفخيم . عشرات الذكريات والأفكار والخطايا يتم اقتلاعها مع عملية الحلاقة. نراها متمرغة في المعجون الأبيض المختلط بالشعر..ثم ننزل مع ماكينة الحلاقة إلي الماء مرة أخري ونري تلك الذكريات والخطايا يجرفها الماء في طوفانية رائعة. آه .. يا له من إحساس رائع لو يتحقق..ألف خطيئة سوف يتم اجتزازها مع عملية الحلاقة الكاملة . وبالطبع يمكن أن نتخيل ذلك المشهد البراق عندما ينظر بطلنا في المرآة فيبدو متألقاً بهياً طاهراً مثل طفل ليس في ميزانه سوي الحسنات التي اكتسبها في مقابل ابتسامته في وجوه الآخرين. لكن هل هذه النهاية؟..لا أظن..كلنا نعلم أن الأمر لن ينتهي هنا..إن هي إلا ساعات قليلة. في لقطة مقربة.. وبينما الشاب في أي مكان ودون سابق إنذار..تبدأ أول شعرة في ذقنه تنمو مرة أخري مع أول خاطرة خبيثة تلح علي رأسه..ثم يزداد طولها مع اقتراف خطيئة جديدة..ثم تنمو أخري بجانبها مع تشكل ذكري ملوثة في رأسه.. فالحياة لا تنتهي أبدا بماكينة حلاقة!