كان يمكن لنانسي عجرم بمنتهي السهولة أن تكتفي بنصف أغنيات ألبومها «نانسي 7»، لأن الاحتفاء بالألبوم السابع لها ليس معناه أبدا أن تطرح 16 أغنية مرة واحدة ثماني منها متوسطو القيمة، وأيضا ليس معناه أن تضع الأغنيات الأضعف في النصف الأول منه، حيث بدأتها ب«عيني عليك» الأغنية التي أثارت ضجة بسبب غنائها بنفس اللحن بصوت شيرين وجدي بنفس اللحن عام 2003، الأغنية فيها دلع معتاد من نانسي لا يقترب كثيرا من الغناء، لكن في كل الأحوال الاكتفاء بالدلع معناه أنها تدرك حدود موهبتها، وهذا أفضل كثيرا من استعراض مساحات الصوت غير الموجودة من الأصل، وهي طريقة تلجأ إليها زميلات غيرها، في حين أن نانسي تقف عند حدود موهبتها في «تأخرت شوي» نحن أمام لحن أفضل كثيرا من الكلمات، ونانسي صوتها يحاول مجاراة اللحن، وإن كان لا ينجح إلا نقل الإحساس بمهارة وذكاء، «نفسيته» فيها غزل ظريف محبب، ويحمل طفولة، يتميز كثيرا أيمن بهجت قمر في هذه المنطقة، وهو ونانسي عجرم ثنائي متوافق، وإن كان الأمر يفلت منها في منتصف الأغنية، حيث تغني بسذاجة مفرطة تشعرك أنها تفتح فمها علي آخره وتضحك بلا مناسبة، «إمتي هشوفك» نسخة من أغنية «مين ده إللي نسيك»، وليد سعد يضع لحنا ناضجا، علي كلمات قوية لنبيل خلف: «لسه في عمري أيام لسه لأول لمسة وآخر همسة»، كما أن إيقاع التانجو المسيطر مع الكمانجات العالية يؤكد لك أن الصوت بحاجة إلي تدريبات كثيرة، خصوصا أنه من أضعف حلقات الأغنية، بمجرد أن تستمع إلي أغنية «ياكثر» سوف تعرف أن الخليجي لا يليق بنانسي في كل الأوقات، الأغنية بها كلمات قوية تحمل جفافا يزيده إضعافا اللحن الذي وضعه هيثم زياد حتي تشعر أنك في صحراء قاحلة، المأساة تكتمل مع صوت نانسي الذي تشعر أنه ينازع هنا، في أغنية «OK» وكلمات محمد جمعة تجعل الأمر خفيفا جدا، ومقبولا: «مش قولتلي اسكتي هتصرف اديني سكت.. علقتني سيبتني في الهوي وكمان هتلت» لكن الكلمات الخفيفة أيضا بحاجة لحنجرة قوية فسطحية الأداء ليست حلا في كل الأوقات حتي لو الأغنية نفسها خفيفة، لكنها تعاود الاجتهاد في غناء «في حاجات» التي تحمل بدورها موضوعا غير مستهلك كتبه أمير طعيمة يتعلق بالحبيبة التي ترفض البوح بما تشعر به من تجاهل، إلا أن الكلمات تغرق في اللحن العالي جدا في أكثر مقاطعه، حاول ألا تستمتع لها وهي تقول «وياريتني إتكلمت» لأن كل عيوب صوتها تظهر تماما، وتجعلنا ننسي أهمية الأغنية، بداية «لسه جاية أقوله».. تبشرنا بأغنية جيدة، إلا أن نانسي بعد المذهب مباشرة تجري، وتجري وراءها الموسيقي، ثم نعلم أن الكلمات لا تحمل بعد ذلك أي جديد، يمكننا هنا أن نتوقف ونأخذ فاصلا من الصمت لنعود ونجد أن نانسي عجرم تتنقل بين الأغنيات بملابس ملونة وبخفة في الحركة وتقدم تجارب أكثر متعة، من الصعب فعلا أن تستمع إلي الأغنيات المتبقية دون أن تتخيل هذا، «بالهداوة» يواصل فيها أيمن بهجت قمر مهمته في الحديث ببساطة شديدة عن موضوعات شديدة الجدية، يقول في مقطع لافت «بتغير علي طول ومبين لكن من جوه حنيني»، التنوع يتواصل مع الدبكة اللبنانية التي تتألق في «مين إللي ماعندو» وتضعنا في قلب سهرة شعبية، مع ذلك هناك رقة تحيط بالأغنية التي يضيف إليها الكورال كثيرا، هي تغني أفضل كثيرا في «إيه اللي جرالي»، واللحن نجح في تغطية الفراغات الكبيرة جدا في الصوت، ثم تعافر وهي تغني «كل ماتدي» وتنجح معافرتها هذه المرة، لتخرج الأغنية في أفضل صورة ممكنة، أيضا هناك أغنية خليجية أكثر ملاءمة لصوت نانسي هي «أسعدالله مساك»، الأغنية عموما بعيدة عن اللهجة الخليجية البيضاء لذا فهي أخف كثيراً من أغنية «ياكثر» التي تميزت بثقل غريب. الآن الموعد مع الشاعر فارس إسكندر، والملحن سليم سلامة وهما أثبتا أنهما يفهمان قدرات نانسي جيدا لذا قدما لها أغنية «شيخ الشباب» بمنتهي الإخلاص تحوي خفة دم، مع رقة ورومانسية، ولحن رائق تماما، وبعيد كل البعد عن السطحية، كذلك الكلمات «كأنه بيعرفني وحس بقلبي شو عندي حنين وأنا أسأل حالي شو خصه عم يسألني بصفته مين.. وفكرته مجنون..» رشاقة في الأداء من الصعب مقاومتها، إنها الأغنية الأكثر جاذبية، هاني الصغير يشارك بكلماته في صنع حالة من التميز في النصف الثاني من الألبوم في أغنية «أصلي»، ومعه الملحن محمود خيامي، ثم أخيرا مع «حكايات الدني» تتأكد لنا حقيقة أن نانسي باللبناني أفضل كثيرا، وأكثر عمقا خصوصا عندما نستمع للحن متميز لسمير صفير، وكلمات نزار فرنسيس الهادئة: «هيك حكايات الدني تبتدي من الولدنه..تا يكبر حد لازم يتعب حدا»، جيتار مصطفي أصلان رفيق جيد لنانسي وهي تتحدث عن «الصوت اللي بيرسملي جوانح فرح وولاد»، الحنين الذي سيطر علي الأجواء ختام ذكي لتجربة متميزة من نصفها الأخير فقط.