القصيدة التي كتبتها في أحد الأعياد منذ عشرين عاما كانت مليئة بالأشواك والآلام والأحزان، لكنني عدت أخفف من حدتها في الأهرام بتاريخ 17 يناير 2004، بعنوان "سوف يعود العيد جميلا حين نعود"، بمقال حاولت فيه أن أعارض هذه النعابة التي نستقبل بها الأعياد (عيد بأي حال عدت ياعيد المتنبي) إلخ، من بدايات القصيدة القديمة هذا النحيب: «ما حاكت لي أمي جلباباً ذا صوت هامس، لم يمسسه الماء الهاتك للأعراض، لم يتهدل خيطه، لم تتكسر أنفاسه، ما رتبت المهد الغائبة الثكلي، ما مرت كف حانية غافلة فوق الخصلة، ما أعطتني اللعبة، فحملت الآلة، حدباء الآلة، حدباء بغيرعلامة». ثم.. أنهيتها هكذا: ينزف وعيي وسط الآلام المتناثرة هباء، أتشتت مني، فأحاول، أفشل قسراً، أتمزق، تتفرق أبعاضي كل في جانب، أعجز أن أجمع نفسي من بين شظايا المرأة المسحورة». حين هممت اليوم أن أكتب عن العيد، كنت مصرا أن أعود لأثبت لنفسي، ولنا، أننا نستطيع أن نفرح برغم كل شيء، بل إن من حقنا أن نفرح، بل إن من واجبنا أن نفرح، بل إنني ضبطت نفسي وقد تعلمت أن أقيس أدائي وصدق من أمامي في عمله أو في التزامه بقدرته علي أن يفرح، تعلمت من مرضاي كيف أفرق بين الفرحة المسئولة وبين الضحكة الغبية، أو البسمة البلهاء، أو الحضن الأجوف، تصورت أن هذه السنوات قد أقنعتني أننا "عدنا" بشرا نحمل مسئوليتنا، فمن حقنا أن نفرح، ولو في العيد. حين أمسكت بالقلم اليوم لأثبت ذلك، وجدته ثقيلا يقاوم بعناد حتي استطاع أن يسحبني إلي الاتجاه المضاد وهو يستلهم الظلم والظلام الجديد، كان يقلب صحف اليوم وهو يتملي في الصور علي صفحاتها الأولي، راح يكتب من جديد: أرجوحة هذا الزمن الأنذل دبابة، وعرائسه قنابل موقوتة، والبهجة ماتت في معزي مجلس أمن يتحكم فيه شيطان لزج أملس، والطائرة بلا طيار تقصف مهد الطفل النائم والمعني في بطن القاتل "إستبق" الأحداث بقتلك هذا الشاب الحالم بالحرية، لا ترحمْ، إرهابّي آثم!! (ليس سوي مشروع شهيد يتحفز أن يعبد ربه وهو يزيح الظلم بعيدا عن أرضه") توقفتُ وكدت أقصف قلمي الذي لا ينقصف، فجاءني من خلفي صوت أهازيج المفاوضات المباشرة من واشنطن تردد تلبية أحدث: لبيكَ البيت الأبيض والأقدر لبيكْ لبيك لا شريك لك لبيكْ إن الحلَّ، والعقدتَا، والمسألتا، كلها بين يديكْ لبيك لا راد لقرارك لبيكْ ولا رجعة عن خطة طريقك، لبيك ومحكات الصدق هي: حبر الأوراقِ، وغياب الوعي، وحقوق البشر المشبوهةِ ورصيد البنكْ، لا شريك لك ما هذا!!؟ إلي أين يذهب بي هذا القلم الغبي، وهو يصر أن يقلبها غما أعمق وأمرّ حتي في العيد، عدت أنظر في الصور المنشورة للسادة المجتمعين في واشنطن، فوجدت ابتساماتهم تملأ وجوههم بغير فرحة، ولكن بيقين بأن الأمور تسير كما تسير!!!!، وأنها سوف تنتهي إلي ما تنتهي إليه!!!، وأن المسألة كلها هي مد تعهد وقف التوسع في المستوطنات بعد أسابيع، والأهم هو ما يجري تحت المائدة للاتفاق علي توزيع الغنائم علي الدول المشاركة في رسم خريطة "الأكذبْ يكسبْ"، ويعود القلم يخرج لي سنه ويواصل: "والقمر المصنوع يلوّح بسراب فضيًّ يحسبه الظمآن مياها، والمنبع حجرٌ قاسِ، شيطانٌ أسمر أملس" فأنهره وأعترف له أنني تنازلت عن حقي في الفرحة بعد أن فقس اللعبة، وأنني حزين حتي النخاع، فيعود يعايرني، يكتب: «الحزن النعاب مذلة، والألم بلا فعل يُجهض نبضَ الثورة» أستأذنه ولو ليوم واحد ليكون العيد عيدا، فيخرج لي صور أطفال قتلوا في مهودهم، وعذاري انتهكت براءتهن، والدماء تحيط بالمفارش، وتسيل علي طرف الأسرة، ويمضي يكتب: فليتعرّفْ أيٌّ منكم من فيهم طفلهْ، ومن هي بنت الجيران ..... أخطف منه الورق، وأكتب أنا متحديا: فلنتعانق خارج مسجد أبراج الحادي عشر الخالد من سبتمبر ولترتفع المئذنة الأخري: ونواصل، فتطل الفرحة: حين يصير الأعدل أقدر: - إن كانت في الأيام بقية - سوف يعود العيد جميلاً.. حين نعود. الحق تبارك وتعالي وعد الناس بألا يبقي،، إلا ما ينفع إن هم دافعوا الثمن الأوجب ليكونوا بشراً: خلفته الأجمل إن هم دفعوا الثمن الأوجب ليكونوا بشرا: خِلقته الأجملْ