لعلها واحدة من المرات القليلة التي اختلف فيها المخرج خالد يوسف مع أستاذه يوسف شاهين، فجو كان دائما ما يردد جملته: «قدرنا كمبدعين أن نقضي نصف وقتنا في الإبداع، والنصف الآخر في الدفاع عن هذا الإبداع». خالد يوسف كان يري وقت أن كان يعمل مساعدا لأستاذه، أن يوسف شاهين يبالغ في رأيه، وكان كثيرا ما يواجهه باختلافه معه. شاهين كان يدرك وقتها أن تلميذه لن يشعر بهذه المأساة إلا عندما يصبح مخرجا مسئولا عن أعمال فنية تحمل اسمه، فوقتها فقط سيشعر أن المخرج الذي يقدم أفلاما جادة تحمل وجهة نظر مختلفة بالتأكيد سيكون قدره أن يستنزف أكثر من نصف طاقته الإبداعية في الدفاع عن قضايا أفلامه سواء بالدخول في جدل مع الجمهور بعد عرض الفيلم -بل وقبل عرضه في أحيان كثيرة. المخرج أسامة فوزي علي رأس قائمة صنّاع السينما الذين يحجزون جزءاً من طاقتهم للدخول في مهاترات بعد عرض إعلان الفيلم - زمان كانت الأزمة تشتعل بعد عرض الفيلم نفسه، لكن مؤخرا أصبح إعلان الفيلم كافيا لاشتعال الأزمة. فلو حسبنا الفترة الزمنية التي قام خلالها أسامة فوزي بتصوير فيلمه «بالألوان الطبيعية» سنجد أنها لن تتجاوز السبعة أسابيع، لكن لو حسبنا صداماته المتتالية مع الرقابة من جهة، وأزمته مع عميد كلية الفنون الجميلة الذي رفض فكرة تصوير الفيلم داخل مبني الجامعة من جهة، سنجد أنها تجاوزت السبعة أشهر، كل هذا قبل أن يبدأ صدامه الأخير مع جمهور الفيس بوك الذي شن حملة عجيبة ضد الفيلم، وصنّاعه وأخذ يكيل لهم اتهامات من نوعية «تشويه صورة طلبة كلية الفنون الجميلة»، وهي الحملة التي اشتعلت بعد عرض إعلان الفيلم ولم تنته حتي الآن، ويبدو أنها لن تتوقف قريبا وطبعا وجد أسامة فوزي نفسه مضطرا للرد علي هذه المهاترات ومعه مؤلف الفيلم هاني فوزي. الثنائي هاني فوزي وأسامة فوزي اعتادا علي مثل هذا العبث الذي لن يكون أكثر إزعاجا لهما مما تعرضا له أيام عرض فيلمهما قبل الأخير «بحب السيما» فالفيلم تم تصويره في عشرة أسابيع لكنهما قضيا أكثر من ثمانية أشهر في حروب مع جميع الجهات، الكنيسة من جهة، والرقابة من جهة، والجمهور الذي دخل طرفا ثالثا من جهة. المخرج يسري نصر الله أيضا له تاريخ طويل في الجهاد من أجل توصيل لغته السينمائية للجمهور، من خلال الندوات والحوارات الصحفية والإعلامية، فقد أصبح نصر الله ينتهي من مونتاج الفيلم ويستعد نفسيا للمعركة الجديدة، إلا أن معركته مع فيلم «مرسيدس» كانت الأقوي والأطول نفسا بين معاركه الفنية، فقد استمرت لأكثر من عام رغم أن الفيلم لم يستغرق تصويره أكثر من ثمانية أسابيع. وهناك أيضا معركته الشرسة ضد جمهور الفيس البوك الذي انتقد فيلم «احكي يا شهرزاد» من إعلانه فوجد نصر الله نفسه مضطرا للدخول في مهاترات استمرت حوالي سبعة أشهر من أجل الدفاع عن قضية لا تمت لقضية الفيلم الأساسية بصلة بعد أن عاد به الجمهور لنقطة الصفر بالحديث عن السينما النظيفة مرة أخري. خالد يوسف من جهته لم تتوقف معاناته يوما، منذ اليوم الأول لعرض أول أفلامه «العاصفة»، وقتها أدرك خالد يوسف قيمة تلك الجملة التي كان يرددها أستاذه يوسف شاهين وأعلن اقتناعه بها علي الملأ، بل إنه أكد أكثر من مرة أن الفنان في مصر يستهلك أكثر من نصف طاقته في الدفاع عن وجهة نظره الإبداعية، فطالما وجد خالد يوسف نفسه مضطرا لإنكار أشياء لم يقصد الإشارة إليها في أفلامه، ونفي قضايا لم يقصد تحميل أفلامه بها، والتأكيد علي قضايا بعينها انشغل عنها الجمهور بالحديث عن قضايا لم يحملها الفيلم أساسا مثل إهانة الصوفية في «دكان شحاتة» والترويج للشذوذ الجنسي في «حين ميسرة»، بل وأحيانا ما كان يجد نفسه مضطرا للرد علي اتهامات عبثية من نوعية أن فيلمه يسيء لسمعة مصر! ولعل أكثر فيلم استنزف طاقة خالد يوسف بين إشارة وتوضيح نفي وتأكيد كان فيلم «حين ميسرة» الذي انتهي خالد يوسف من تصويره في أقل من شهرين واستمرت معركته مع الجمهور بعد عرض الفيلم لأكثر من ستة أشهر.