تأمل معي هذا الخبر الذي أنشر نصه نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط التي أذاعته الأحد الماضي في تمام الساعة الحادية عشرة وخمس وثلاثين دقيقة بتوقيت جرينتش واستندت فيه إلي تصريح أو بيان من مديرية أمن قنا. عنوان الخبر : ضبط 42 شخصًا في أعمال الشغب التي وقعت بقرية البهجورة بنجع حمادي بقنا أما نصه وفصله فهو : صرح اللواء محمود جوهر- مدير أمن قنا- بأنه تم ضبط 14 شخصًا مسلمًا و28 مسيحيًا في أعمال الشغب التي وقعت بقرية البهجورة، وتمت إحالتهم إلي النيابة العامة التي وجهت لهم تهمتي إثارة الشغب وإتلاف ممتلكات الغير. وكانت قد اندلعت أعمال شغب أمس الأول بقرية بهجورة التابعة لمركز نجع حمادي ، وأسفرت عن احتراق 11 محلاً تجاريًّا ودراجتين بخاريتين و8 منازل مملوكة جميعها للجانب القبطي . انتهي الخبر! هنا المفارقة مدهشة ومثيرة للتساؤل فعلاً فإذا كانت المحال والدراجات والبيوت المحترقة كلها يملكها الأقباط، أي أنهم الذين تعرضوا للاحتراق والاعتداء كما هو واضح ومبين فلماذا يقبضون علي الأقباط أساسًا، بل وبضعف عدد المسلمين الذين تم القبض عليهم ؟! أكيد هناك إجابات وأرجو أن تكون منطقية، حيث يبدو من ظاهر الخبر وتفاصيله أن الأوضاع مقلوبة، إذ يذهب للحجز والسجن ناس تم الاعتداء عليهم، ثم هناك حرص واضح بدا في تصريح مدير الأمن علي ذكر ديانة المقبوض عليهم لكن هذا الحرص ينتهي بنا للاستغراب ، نستغرب أولاً من الحرص علي ذكر الديانة وثانيًا من أن عدد الأقباط هو الأكبر بل الضعف تماماً!! علي الناحية الأخري سمعت من أكثر من مسئول كنسي يحاول تهدئة الأقباط وتطييب خواطرهم بتحذير الحكومة من البطء في محاكمة المتهمين بقتل الأقباط الستة ليلة عيد الميلاد، ويطالب بسرعة إعدامهم حتي تطمئن قلوب الأقباط للعدالة ، والسؤال فين العدالة دي التي ينسفها مطلب الأقباط نسفًا؟ حيث يبدو وكأن هناك ضغطًا علي أعصاب القساوسة ورجال الكنيسة من أقباط غضبانين ومحزونين (وعندهم حق ) فيرد مسئولوهم في الكنيسة، باعتبار الكنيسة هي كفيل ووكيل وحزب الأقباط وليست مؤسسة دينية فقط أن الدولة سوف تتصرف، حيث يحرص قساوسة البطريركية علي الإبقاء علي الرعاية الحكومية والأمنية الوطيدة والوثيقة ، ومن ثم يحاولون إفهام أطراف في الدولة أن المطلوب عمله هو تقديم هؤلاء المتهمين للمحاكمة وإصدار حكم سريع بالإعدام يهدئ من خواطر المسيحيين ويرفع رأس القساوسة في مواجهة شعبهم القبطي حين يتهمونهم بأنهم وراء إضعاف الأقباط وتضييع حقوقهم في البلد! إذا سلمنا بأن تطييب الخواطر يستأهل حكمًا في الدرجة الأولي، فإن المتهمين سيحصلون -والمسائل هكذا- علي براءة في النقض فيفزع الأقباط ويشكون من مجاملة قتلة المسيحيين وتبرئتهم! الحاصل أن المشهد يأخذ ملامح البحث عن ثأر وليس البحث عن حق ، الرغبة في الانتقام وليس الرغبة في العدالة! فالإخوة في الكنيسة يطالبون بمحاكمة متهم لايزال لم يثبت عليه شيء ولم تتجمع ضده أدلة يقينية، ثم يريدون محاكمة سريعة تنتهي بالحكم عليه وكمان بالإعدام وياحبذا لو تم تنفيذه بالسرعة ذاتها! أي عدالة هذه التي يطالب بها الأقباط، الذين أظن تمامًا أنهم يعانون فعلاً غياب العدالة في التعامل معهم داخل المجتمع، ولكنهم بخوفهم وذعرهم وارتمائهم في حضن الحزب الكنسي لا يحصدون إلا مزيدًا من غياب العدالة! ! والغريب أنه لا شيء يضمن الظلم أكثر من العدالة السريعة ولا شيء يضمن التلفيق إلا الإسراع بالاتهام ، عندنا متهمون ثلاثة أغلبهم لايزال ينكر التهمة ولدينا غياب لسلاح الجريمة ويوجد كذلك غموض في الدافع فلم يأت في تحقيق بوليسي أو نيابي حتي الآن سيرة عن سبب تخطيط مسجل خطر (إن افترضنا أنه القاتل فعلاً ) لجريمة قتل جماعي وعشوائي لأقباط لا يعرفهم ليلة عيدهم أمام كنيستهم! ! فإذا كان الدافع انتقاميًّا وثأريًّا فلا ثأر بينه وبين الأقباط عموما ولا مع هؤلاء الضحايا خصوصًا! وإذا كان الدافع أنه مدفوع من أحد يبقي هناك محرضون لا نعرفهم، ولنترك للتحقيق فرصة أن يحقق إذن! التعجل الذي يريده رجال الكنيسة هو أقصر طريق للتخلص من مسئوليتهم أمام الأقباط لكنه أسرع طريق أيضًا للتخلص من الحقيقة!