من حقنا أن نرتاب في التعديلات المقترحة التي يعدها المجلس القومي لحقوق الإنسان حول تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، سبب الشك والريبة لا يرجع فقط إلي التوقيت الذي يبدو أنه يحاول استباق تقدم أحزاب الائتلاف الرباعي المعارضة بمطالبهم الخاصة بضمانات نزاهة الانتخابات إلي الرئيس مبارك، بل أيضاً لأن المجلس يريد التخص من التشكيلة القضائية الحالية المنصوص عليها في التشريع القائم الآن واستبدالها بلجنة دائمة أفرادها غير مرتبطين بوظائف قضائية أو تنفيذية. صحيح أن هناك تحفظات عديدة علي التشكيلة الحالية التي يغلب عليها أعضاء الهيئة القضائية ويرأسها رئيس محكمة استئناف القاهرة، إلا أن التشكيلة المقترحة يديرها المجلس القومي لحقوق الإنسان من الشخصيات العامة التي يختارها مجلسا الشعب والشوري، فيمنح بذلك الفرصة واسعة لاختيار أشخاص ترضي عنهم الحكومة ويأتمرون بأوامرها. وهكذا يجري قطع الطريق علي مقترح حزب الوفد الذي صدقت عليه أحزاب المعارضة بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات من رئيس محكمة النقض رئيساً وعضوية أقدم عشرة قضاة من نواب رئيس محكمة النقض الذين يشغلون مناصبهم أصلاً بالأقدمية، علي أن يكون جميع أعضاء اللجنة غير قابلين للعزل، فضلاً عن أن اللجنة سيكون لها شخصية اعتبارية عامة وموازنة مستقلة، مما سيتيح لها قدراً واسعاً من الاستقلالية المنشودة. ولأن اللجنة العليا للانتخابات هي المنوطة بتشكيل اللجنة العامة ولجان الاقتراع والفرز وتعيين أمناء اللجان ووضع قواعد إعداد جداول الانتخابات ومحتوياتها وطريقة مراجعتها، فهي المفتاح الحقيقي للتدليل علي إمكانية إجراء انتخابات نزيهة وشفافة من عدمه. غير أن مقترح المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يريد تكوين لجنة دائمة يتم اختيار أعضائها بشخصياتهم يضرب كل مساعي المعارضة في مقتل ويفرغ مقترحاتهم من مضمونها فيجهض بالتالي جميع الآمال المعلقة علي قدر أوسع من النزاهة والشفافية في الانتخابات التشريعية المقررة في شهر نوفمبر المقبل. قد يكون المجلس علي حق بأن عدة مستشارين سيتغيرون علي رئاسة محكمة الاستئناف بعد إحالتهم للمعاش وبالتالي تتغير رئاسة اللجنة العليا للانتخابات التي يرأسها وفق التشكيل الحالي رئيس محكمة استئناف القاهرة، لكن ذلك ليس سبباً مقنعاً للتخلي تماماً عن وضع القضاة داخل اللجنة العليا رغم كل المثالب في عمل اللجان السابقة التي لم تنجح في إدارة العملية الانتخابية بنزاهة. والسؤال هو لماذا يضع المجلس القومي لحقوق الإنسان نفسه في مأزق زمني، ولماذا يتخلي طوعاً عن مناقشة القوي السياسية المعارضة وأطروحاتها التي اتفقت عليها وأعلنتها في كل مكان. أليست هذه الأحزاب الشرعية المعتمدة هي الطرف الآخر من معادلة أي نظام سياسي ومن ثم يحق لها طرح أفكارها ورؤيتها حول ضمانات نزاهة الانتخابات، أم أن المجلس تلقي تعليمات بالتحرك السريع لإجهاض تحركات المعارضة التي تسبب حرجاً سياسياً إقليمياً ودولياً للنظام الحاكم، ونحن إذ نربأ بالمجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يفترض تمتعه باستقلالية عن أهل الحكم أن يقوم بذلك، نتمني أن يعيد النظر في خطوته الأخيرة. كنا نتوقع من المجلس أن يشد علي أيد أحزاب المعارضة ويدفع لإقرار مطالبهم الإصلاحية، لا أن يستخدم كحائط صد في وقت تشخص فيه الأنظار باتجاه مصر، وما ستصنعه في انتخابات مجلس الشعب المقبلة بعد إلغاء الإشراف القضائي الكامل عقب انتخابات عام 2005 وما أفرزته من نتائج. وما نخشاه الآن هو إجهاض تشكيل لجنة عليا مستقلة تدير الانتخابات بنزاهة بينما تجري تسوية إرضائية للأحزاب، بحيث يقبل طلبها بإجراء الانتخابات، وفقاً لنظام القائمة النسبية بما يسمح لها بتمثيل جيد في المجلس الجديد. في مقابل تخليها عن مطلبها بتشكيل لجنة عليا مستقلة تماماً تدير الانتخابات.. سننتظر ونري.A