من النادر أن تجد اتفاقاً تاماً في الأهداف العامة بين القوي السياسية والأحزاب المعارضة كهذا الذي يمكن أن تراه في مصر الآن، فقد تأكد للجميع أحزاباً وحركات وجماعات وأفراداً أن الهدف الأسمي والأولي بالتحقيق هو وجوب التغيير وكسر قواعد اللعبة السياسية الجامدة منذ أكثر من نصف قرن بعد أن وصلت الأمور إلي النقطة الحرجة التي لا يمكن تحمّلها أو تجاهلها بصرف النظر عن تباين الأفكار والأيديولوجيات التي لا يدركها الشعب ولا يلتفت إليها المواطن المقهور، ولكنه من النادر أيضا بل يكاد يكون من رابع المستحيلات أن تجد مثل هذا الالتزام الغريب من القوي السياسية بعدم تحقيق هذا الهدف والحرص المستمر علي التفكك والتشرذم والضعف والهزال وعلي غياب الحد الأدني من الشفافية والمصارحة بين قوي وأحزاب تسعي في الاتجاه نفسه كما هو الحال في السياسة المصرية، ولعل فكرة مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة وماجري بشأنها مؤخراً خلال حفل الإفطار الرمضاني الذي نظمته جماعة الإخوان المسلمين ودعا إليه المرشد العام عدداً من رموز القوي السياسية المعارضة خير دليل علي ذلك، فما جري ليس سوي تمثيلية معادة يحفظ المشاهدون أحداثها عن ظهر قلب بينما تغيب بعض فصولها أحياناً عن أبطالها رغم أن كلا منهم يحتفظ بنسخة كاملة من السيناريو المكتوب. لقد أعلن مرشد الإخوان عن التزامه بقرار مقاطعة الانتخابات البرلمانية إذا كان هناك إجماع بين القوي السياسية علي ذلك، وأكد أن الإخوان عند كلمتهم مع القوي السياسية إذا اتفقت علي رأي واحد شريطة أن يكون هذا القرار لمصلحة البلد، ولم ينس سيادته أن يوجه نداءه لكل الأطراف بعدم الطعن في الآخرين في حالة عدم الاتفاق علي قرار واحد قبل أن يعلن نائبه الدكتور «محمود عزت» أن الأمر معروض حالياً علي مؤسسات الجماعة لتقرر ما تراه، وأن الإخوان علي استعداد تام للمقاطعة بشرط أن يكون هناك صدق من الجميع!!، ولاشك أن هذه العبارات الدسمة عسيرة الهضم تحتاج إلي التوقف عندها قليلا، فلست أعرف ما هو الإجماع الذي يتحدث عنه المرشد العام ولا كيف يمكن أن يتحقق، لقد وصف «حمدين صباحي» مؤسس حزب الكرامة حدوث الإجماع علي مقاطعة الانتخابات بالأمر المستحيل، مؤكداً أن الأدلة واضحة علي رغبة كثير من القوي السياسية في المشاركة، فالوفد - وفق رأيه- في طريقه لذلك والإخوان كذلك بعد العودة لقواعدهم، ويُطربنا صباحي بقوله إنه في حال «اقتناع» الإخوان بالمقاطعة سنقاطع، أما «رفعت السعيد»، رئيس حزب التجمع أحد أهم وأقدم الأحزاب المصرية فقد أكد مبكراً أنه لن يشارك في إفطار الإخوان وشكك في حضور «أنيس البياع» نائب رئيس الحزب بصفته الحزبية وأكد غياب الدكتور «السيد البدوي» رئيس حزب الوفد.. يبقي فين احتمالات الإجماع ده؟!.. خد عندك كمان الدكتور «عبد الحليم قنديل» منسق حركة كفاية الذي انسحب من الاجتماع اعتراضاً علي عدم منحه الكلمة التي طلبها معتبراً ذلك تهرباً مريباً من الاستماع إلي الصوت الأقوي للمقاطعة، وكذلك «سامح عاشور» النائب الأول لرئيس الحزب الناصري الذي أكد أن الحزب الناصري ليس في حاجة الآن للدخول في ائتلاف آخر مع أحد أو مع الإخوان، فكيف إذن سيكون الإجماع الذي يحدثنا عنه المرشد العام؟!، وهل يصبح من المنطقي أن يطالب النائب «سعد عبود» الجماعة بإعلان المقاطعة لإحراج وإقناع حزب الوفد رغم أن الجماعة غير مقتنعة بالمرة ورغم إعلان الوفد أن قراره لن يتأثر بأي عوامل خارجية؟. إننا ندرك جيداً أن الإخوان قد أعدوا العدة لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة برغم كل ما يحيط بها من محاذير دون ارتباط بمواقف القوي الأخري، وليس هذا عيباً، فالإجماع علي مقاطعة الانتخابات هو ضرب من الوهم وهذا ما يدركه الجميع وليس الإخوان وحدهم ولكن يجب علي الإخوان أولاً أن يعلنوا موقفهم المعروف دون تأجيل ودون أن يبحثوا في خلافات الآخرين عن مبرر لاتخاذه، فلست أدري لماذا تضيّع القوي السياسية وقتها فتتوهّم أو تُوهمنا بأنها في حالة مستمرة من البحث والدراسة بينما هي في حقيقة الأمر تستهلك ما تبقي من أسابيع قليلة قبل أن تنتهي إلي مواقف أكثر ضعفاً تبدو أقرب للانتحار أو الاستسلام تصاحبها حالة من الصراخ وتبادل الاتهامات حول مسئولية كل طرف عن التردي والفشل فكلمة السر ليست أبداً المقاطعة أو المشاركة وليست غياب المناقشات أو ضعف التنسيق ولكنها - مع كامل افتراض حسن النوايا - ليست إلا «شخبط شخابيط».