طالعنا موقع نقابة الأطباء أخيرًا بتفاصيل مشروع تقدمه وزارة الصحة لإنشاء هيئة قومية جديدة، وهو مشروع نشرت الجرائد عنه خبرين مقتضبين في الشهرين الماضيين، لذلك حاولنا مرارًا وتكرارًا، أن نجد لدي نقابتنا الخبر اليقين حول هذا المشروع، والنقابة ترد دائما بأنها لا تعرف شيئًا عن هذا الموضوع، ثم يأتي النشر أخيرًا لتؤكد المذكرة الإيضاحية المؤرخة في 4-2010 -أي منذ 3 أشهر - اشتراك النقابة مع وزارة الصحة ووزارة التعليم العالي، في لقاءات ودراسات عديدة، انتهت بإقرار هذا المشروع، ليقدم باسم الأطباء مادامت نقابتهم مشاركة في صياغته .. كل هذا والأطباء آخر من يعلم .. لم يشر لهذا المشروع حتي في الجمعية العمومية للأطباء التي عقدت في 26-3 أي قبل التاريخ الموجود علي المشروع بعدة أيام .. ولم ينشر المشروع علي موقع النقابة إلا بعد مطالبات عديدة وجهود مضنية، وبعد الانتهاء من اشتراك النقابة في صياغته بثلاثة شهور !! فما هو يا تري سبب هذا التصرف الغريب من نقابتنا العزيزة؟ وما سبب الحرص علي أن يظل الأطباء آخر من يعلم ؟ وآخر من يؤخذ رأيهم في أهم ما يخصهم من شئون مهنتهم ؟ أما إذا انتقلنا لمحتوي المشروع، فسنجد أن المذكرة الإيضاحية المرفقة به تشي إلي أنه يأتي كعلاج لتراجع مستوي الطبيب المصري، والذي ترجعه المذكرة لتواضع قدرات كليات الطب المادية والبشرية، وللتوسع في إنشاء كليات الطب سواء الحكومية أم الخاصة، وما يستتبعه ذلك من تساؤلات عن مستوي خريجيها .. الحقيقة أننا نتفق تمامًا مع هذه الأسباب كأسباب رئيسية لتراجع مستوي الطبيب المصري، وأري أنها تستلزم حلولاً واضحة ومنطقية وهي :- 1-تحسين إمكانيات كليات الطب المادية والبشرية، عن طريق مضاعفة المخصصات المالية الموجهة لهذه الكليات سواء الجزء المخصص للإمكانيات المادية من معامل وأجهزة وقاعات، أم الجزء الخاص برواتب الأساتذة حتي نستطيع أن نأخذ منهم الوقت والجهد والتفرغ الضروري لتخريج أجيال متتالية من الأطباء المهرة . 2-عمل لجنة علمية من كبار أساتذة الطب تتبع وزارة التعليم العالي، تضع معايير موضوعية للاعتراف بكليات الطب الإقليمية، وتضع خطة للنهوض بالكليات التي دون المستوي . أما أن تترك كل هذه المشاكل لتتفاقم، ثم يزاد عليها السماح بإنشاء كليات الطب الخاصة .. ثم يقدم لنا هذا المجلس كحل ..فهذا ما لا يقبله العقل .. لماذا؟؟؟ أولا:- يطالب المشروع بعقد امتحان قومي للخريجين من مختلف كليات الطب بعد انقضاء سنة الامتياز، كشرط لمنحهم ترخيص مزاولة المهنة .. فهل ما سيرفع مستوي الخريج هو هذا الامتحان أم تحسين مستوي كليات الطب، ووضع برامج تدريب حقيقية لطالب الامتياز تنقذه من ضياع أهم سنة في دراسته العملية في نقل عينات الدم وأفلام الأشعة بين أقسام المستشفي ؟؟ وهل هناك ما يمنع وزارة التعليم العالي من وضع امتحان موحد للاطمئنان علي مدي تحصيل الطبيب في نهاية سنة الامتياز ؟؟ أم أن المهمة لا تؤدي إلا إذا أنشأنا لها هيئة قومية لها مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة ومبان وفروع وميزانية مخصصة من الموازنة العامة للدولة ؟؟ وهي ميزانية نحتاج لتوجيهها لكليات الطب والمستشفيات الجامعية، التي تطالعنا الجرائد كل يوم بأخبار ومشاكل تقليص الميزانية الموجهة إليها . ثانيا :- ينص المشروع علي إلغاء شهادة الزمالة المصرية الحالية، وإنشاء برنامج تدريبي جديد يعطي شهادة جديدة .. فلماذا يا تري نلغي البرنامج التدريبي القديم لنؤسس برنامجًا تدريبيًا جديدًا؟، هل لأن تكلفة البرنامج القديم تقع علي وزارة الصحة، أما البرنامج الجديد فستكون دوراته وامتحاناته أحد مصادر تمويل المجلس تبعا للمادة 10 من نص المشروع؟!! هكذا يتضح أننا مرة أخري أمام محاولة إنشاء هيئة قومية جديدة ..و كأننا لم نكتف من الهيئات القومية .. وأمام محاولة جديدة لتحميل الأطباء خصوصًا شبابهم ..بتكاليف ما يدعي أنه محاولة لإصلاح الخلل في منظومة التعليم الطبي الجامعي وبعد الجامعي .. أما القول بأن هذا المجلس سيكون علي غرار أمثاله من المجالس الطبية بالبلدان المتقدمة ..فالأولي بنا يا سادة أن نبدأ بتوجيه جهودنا وميزانياتنا أولا لإيجاد كليات طب ومستشفيات جامعية وعامة علي غرار مثيلاتها بهذه البلدان .. وأن نكف عن المحاولات العقيمة لوضع العربة أمام الحصان.