رمضان كريم.. كل عام أنتم بخير.. عاد إلينا الشهر الكريم من جديد بنفحاته الطيبة ونسمات طاعاته العطرة.. عاد بالصوم والزكاة والإكثار من الطاعات.. وعاد بالياميش وارتفاع الأسعار والمسلسلات التليفزيونية.. عاد كما يعود كل عام.. الطقوس نفسها والمشكلات نفسها.. هل هي دراما رمضانية أم دراما مصرية؟.. شهر رمضان الكريم يعود فنعود لنسمع الأخبار نفسها والتصريحات نفسها؛ ارتفاع أسعار السلع بشكل غير مبرر يقابله تصريحات حنجورية بمراقبة الأسواق والضرب بيد من حديد علي أيدي المتلاعبين.. فوانيس رمضان الصيني تغزو الأسواق.. الموضة هذا العام فانوس أبو تريكة والمعلم حسن شحاتة.. الناس تصرخ من ارتفاع أسعار اللحوم وبدائلها والسلع بكل أنواعها وفي الوقت نفسه يتسابق الجميع لشراء ياميش رمضان، مسلسلات رمضان يتضاعف عددها عدة مرات ولابد من أجازة تفرغ لعدة أشهر لمتابعتها.. برامج منوعات ساذجة وتافهة لا علاقة لها مطلقا بالشهر الكريم تحمل كلها الفكرة نفسها التي تستثمر النجاح السابق لفكرة مشابهة.. حالة عامة من الثبات والركود والملل فلا شيء جديد ولاشيء يتغير. .. (في بلد لا يتغير فيه أي شيء.. عيب قوي تغيّر المحطة).. هذه هي «اللزمة» التي يستخدمها الكاتب الساخر والسيناريست اللامع «بلال فضل» للتنقل بين فقرات برنامجه الشهير «عصير الكتب»، ورغم إعجابي بهذا الشعار الجامع فإنني أقترح علي الأستاذ بلال تعديلا طفيفا يبدو أكثر دقة في التوصيف فالأدق في رأيي أن يقول: «في بلد لا يتغير فيه أي شيء عيب قوي تتشطر علي المحطة»، أو «مجتش علي تغيير المحطة» فالحقيقة إننا فعلا في بلد لا يتغير فيه أي شيء بل إن عقلاءه وحكماءه يبتهلون أحيانا ألا يتغير فيه شيء خوفا من أن يكون التغيير عندنا متجها دائما إلي الأسوأ. .. دراما مصرية كروية يعود فيها الدوري العام لينطلق من جديد وكالعادة يتعثر الزمالك منذ البداية ليؤكد لجمهوره أنه عند عهدهم به فقد عاهدهم علي حرق دمهم فأوفي وعلي قتل أحلامهم فصدق ولابد أن يثبت لهم بما لا يدع مجالا للشك أننا في بلد لا يتغير فيه أي شيء وأن تداول درع البطولة - رغم تعثر الأهلي أيضا علي غير العادة - أصعب في مصر من تداول السلطة، ودراما سياسية مصرية ركيكة ومستفزة يبحث فيها الحزب الوطني عن الترويج لمرشحه المقبل لانتخابات الرئاسة وإعداد المسرح السياسي لاستقباله رغم أن أحدا في الحزب لا يمكنه تسمية هذا المرشح فيطلق مسئولوه ومنظرّوه عشرات التصريحات التي تقود إلي عكس ما يريدون فإذا بأحزاب المعارضة بأدائها الباهت تبدو أكثر إخلاصا للحزب الحاكم وتنوب عنه بحماس في الدعم والترويج لرجاله لأتذكر علي الفور النكتة الرائعة التي سمعتها من الفنان «المنتصر بالله» في إحدي مسرحياته الشهيرة عن ذلك الرجل «الأحوَل» والحمامة «الحُولة».. الرجل يريد أن يضع الحمامة في القفص ولأنه أحول فقد وضعها خارجه، والحمامة تريد أن تهرب ولأنها حولة فقد طارت لتستقر داخل القفص.. دراما مصرية متكررة تعرض بنجاح منقطع النظير.. ائتلافات لقوي المعارضة واجتماعات دورية ودعوة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية وفي الوقت نفسه يدور الحديث عن حصص وصفقات وكوتة خيريّة للمعارضة «بنت الحلال» لا ترقي بالطبع لكوتة السيدات بينما يكتظ الشارع بملايين الملصقات وعشرات الآلاف من الأسماء التي تحلم بالمقعد البرلماني رغم أن المرشح والناخب معا يؤكدان أن النتيجة محسومة سلفا ومعروفة مقدما ويبقي الحلم والعشم في ترشيح الحزب الوطني أو تدابير القدر وتصفية الحسابات.. أتذكر نائبا يقال إنه قد نجح مستقلا في الدورة الماضية عام 2005 - ثم انضم للوطني طبعا - بعد أن حصل علي 96 صوتا متخطيا مرشح الحزب الوطني الذي اقترب من الألف صوت ومتجاوزا صاحب المركز الأول الذي حصد 16 ألفا من الأصوات.. إنها دراما الديمقراطية المصرية التي تضفي علي المسلسل بعض الإثارة وتجعل المشاهد مشدودا دائما إلي الشاشة في انتظار المفاجأة التي لن تأتي فالبطل سينتصر دائما فقد تأكد أن جواز عتريس من فؤادة لم يكن باطلا لأن موافقة عتريس كافية لإتمام الزواج حتي لو رفضت العروس ولم يوافق ولي أمرها. إنه عصير الدراما المصرية التي تدين الفساد وتمتهنه، وتجرم الرشوة وتمارسها.. تطالب بالديمقراطية وتصفق للديكتاتورية.. تحلم بالغد وتعيش في الأمس.. إنها دراما المتناقضات في بلد - كما يقول بلال فضل - لا يتغير فيه أي شيء.