يقول شاهر، البطل الرئيسي لرواية كوكب عنبر، منتقدا مديره الذي أعطاه روايته ليقرأها ويقول له رأيه فيها «كانت الرواية عبارة عن خليط من الحرافيش والثلاثية وزقاق المدق، تاريخ طويل لعائلة تعيش في الفجالة وملحمة طويلة من الأحداث والشخصيات المطابقة لشخصيات محفوظ»، لا يقلد الكاتب محمد ربيع نجيب محفوظ ولا ينقل عنه ولكنه - علي الأقل في روايته الأولي والجميلة «كوكب عنبر» - يحتفظ بالتقاليد المحفوظية الكلاسيك والتي حاول - ولا يزال يحاول - أغلب جيله التنصل منها والتمرد عليها والاهتمام بالحبكة والبناء ورسم الشخصيات وتطورها. الروائي محمد ربيع ابن جيل من الكتاب عرف الكتابة علي المدونات وNotes الفيس بوك، كتابة أبرز خصائصها الاعتماد علي السرد الصرف والمونولوج الداخلي والرواية ذات الصوت الواحد والبطل الذي يعاني دائما من الحيرة والاغتراب والضياع، لكن ربيع في روايته الأولي ينجو مما فعله الإنترنت بجيله ويقدم لنا رواية عن شاهر الموظف بهيئة الأوقاف، الذي يتم تكليفه بكتابة تقرير حول مكتبة عامة منسية بأحد شوارع العباسية تمهيدا لهدمها وإفساح الطريق أمام خط المترو. يبدأ شاهر التعرف علي عالم المكتبة، والذي كان ربيع قادرا علي رسمه بشكل جيد، بين التفاصيل الواقعية لرواده، المصور والمترجم علي وحنا الناسخ، وبين الخلفية التي تشبه الحلم والأسطورة، كما كان مقتدرا في تطويع اللغة بحسب الروايتين اللذين يتبادلان حكاية الرواية، شاهر وسيد الأهل، والذي جاء مرسوما بعناية كمثقف يقدس الثقافة ويحتقر المثقفين، يستخدم لغة حادة ساخرة ذكية في التعبير عن آرائه التي لا تخلو من جرأة ( ويكفي الصفحات التي أفردها للسخرية من ثروت عكاشة وجهوده الثقافية بمنطق قوي ومحكم ). طوال الرواية التي تعتمد علي دراما بسيطة لا تقفز للأمام بقدر ما يعتني الكاتب بعمقها وتأمل معناها - وهي صيغة مناسبة للغاية في رواية عن عالم المثقفين وتدور في مكتبة مهجورة ذات طابع غرائبي - يبدو الكاتب مهووسا بفكرة الترجمة، ليس فقط في النهاية المفاجئة التي تكشف لنا عن بعض الأسرار التي نلتقي بها طوال الرواية ولكن هاجس الترجمة كموضوع للتأمل يلح منذ اللحظات الأولي التي يقدم فيها مناقشة حول المترجم الفرنسي «إتيان دوليه» الذي حكم عليه بالإعدام والسبب الرئيسي هو ترجمته لسؤال استنكاري لأفلاطون «وماذا بعد الموت» وأضاف إليه جملة أخري «لا شيء علي الإطلاق» وانتهت كلية اللاهوت بعد قراءة جملة إتيان دوليه المضافة للترجمة أنه لا يؤمن بالحياة بعد الموت وتم إعدامه حرقا، وكذلك في رسم شخصية علي الأستاذ الجامعي الذي يسخر منه الراوي (لأنه مترجم بليد ينقل الكلام من لغة إلي لغة دون أن يفهم ماذا يفعل )، الرواية تثير السؤال القديم الأزلي حول الترجمة، الأمانة للمعني والخيانة للنص، هل المترجم يستعيد حكاية برومثيوس سارق النار وما الذي يمثله المترجم من خطر علي السلطة، أي سلطة، ما الذي يمكن أن يحدث لو استطعنا ترجمة جميع الكتب لجميع اللغات، القلق الذي عبر عنه قديما الروائي الإيطالي إيتالو كالفينو حين قال «أتمني معرفة جميع اللغات لكن الله وحده هو الذي يعرف جميع اللغات، ربما لو استطاع أحد تعلم جميع اللغات لأصبح إلها» هذا القلق الذي يوظفه محمد ربيع في بنية روائية متماسكة، ويدعم هذا بالحديث عن لويجي الصيرافيني الكاتب الإيطالي الذي كتب موسوعة كاملة عن عالم مُتخيل مدعومة بالرسومات والأشكال التوضيحية ويعيد طرح التساؤل الذي قامت عليه الرواية «ترجمة الكتاب فكرة عبثية تماما، لغته الأصلية لا يفهمها إلا إنسان واحد فكيف يتمكن شخص آخر من ترجمتها إلا إذا ترجمها المؤلف نفسه» تتطور الأحداث وتتشابك ونكتشف أن المكتبة قد تقرر هدمها وتنتهي الرواية باتحاد صوتي الراويين شاهر وسيد الذي فشل في الحفاظ علي كوكب عنبر لكنه يؤكد «سأذهب لمكتبة أخري وأتحول لسيد آخر لكنها لن تكون كوكب عنبر أخري. سيتوجب علي البدء من جديد هذه المرة سأحافظ عليها من الضياع، سأمر يوما علي المكتبة بالكامل معدلا كل عيب يطرأ علي ترتيب الكتب، سأفهرس الكتب، سأقرأ في علم المكتبات وسأحافظ علي سرها فلا مجال لإفشاء الأسرار هنا، وفوق كل ذلك، سأشرب النبيذ باردا» كوكب عنبر رواية جميلة لروائي واعد تستحق أن نحييه عليها وأن نحيي ورشة الكتب خان التي أتاحت لهذا العمل المبشر أن يظهر للنور.