ليس صحيحاً أن الميزة الوحيدة لوجود حزب الست الحكومة في هذه الدنيا أنه فقط سهَّل مهمة البحث الجنائي عن عصابة «القط الأسود» وقطيع النشالين والحرامية الكبار وجمعهم كلهم في مغارة واحدة فخمة علي كورنيش النيل، فالحقيقة أنه كلما مر الزمن بطيئاً ثقيلاً فإن هذا الشيء يثبت قدرة ممتازة علي إنتاج الفوائد والأرباح والمكاسب غير المشروعة، فضلاً عن حسنات قليلة من خصائصها أنها لاتمنع بلاوي كثيرة بل بالعكس تجلبها وتخترعها.. من هذه الحسنات مثلاً «معسكر التعذيب» الذي أقامه الأستاذ الحزب مؤخرا في ضاحية أبي قير بالأسكندرية وخصصه ل«أبناء مصر في الخارج». ليثقفهم ويعلمهم ويدلق في عقولهم «حمض الكبريتيك» المُركز نفسه الذي يشربه «أبناء مصر في الداخل» يومياً، بحيث لا يعود هناك أي تمييز أو فرق بين أبناء الداخل والخارج في مستوي ثقافة «قلة الأدب» وفرص كل منهما في الاطلاع علي أحدث مناهج ونظريات علم السياسة خصوصاً نظرية «تلقيح الجتت» و«النظام الهزؤ» وخلافه. ومع ذلك لا أستطيع إنكار اقتناعي التام بالكلام الفقهي الدستوري السياسي العميق جداً الذي نشرته الزميلة إيمان الأشراف أمس في «الدستور» نقلاً عن الأستاذ الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية المزورة الذي كان يثقف المساكين «أبناء مصر في الخارج» يوم السبت الماضي، فإذا بسيادته يقول لهم ما معناه: إنه لا مشكلة ولا أزمة خالص البتة في بقاء الرئيس قاعداً في منصبه للأبد أو لطالون(أيهما أقرب) دون تحديد سقف زمني للمدد التي يقعدها.. لماذا يادكتور؟ يرد معاليه قائلا : لأن «الفيصل هو أن يأتي الرئيس بالانتخاب الحر المباشر، وطالما أن الشعب هو الذي يحدد ما إذا كان سيجدد للرئيس أم لا فلا أزمة» ولا مشكلة ولا حاجة خالص أبداً!! وحتي لايترك معالي الدكتور أي ثغرة قد يمر منها ولو مثقال ذرة من الشك إلي عقول «أبناء مصر في الخارج» ويصيب اقتناعهم بمعقولية هذه الفتوي الدستورية السياسية القيّمة، فقد سارع جنابه بتفنيد حجة القلة المندسة التي تطالب بإنهاء تأبيدة الحكم بالعافية الحالي وتتحدث عن العفن والجمود والفساد الذي ضرب بأطنابه في أركان الدولة والمجتمع بسبب احتكار السلطة وتحويلها بطول الزمن إلي حكم عائلي بهيج، وتصدي سيادته بقوة لهذا الكلام الفارغ ونفي تماماً أن يكون «طول البقاء في السلطة يصيب الشخص بالجمود ويُفقده الحماس والنشاط»، وأكد جنابه أن العكس هو الصحيح «لأن بقاء المسئول في موقعه (طويلاً) يكسبه الحكمة والخبرة اللازمة لإدارة شئون المنصب»!!! إذن نظرية الدكتور تقوم وتنهض علي عمودين اثنين متينين جداً (يبدو أنهما مسلحان بحديد عز) العمود الأول هو الانتخابات الرئاسية الحرة النزيهة التي يجدد الشعب من خلالها للرئيس اللي قاعد في الحكم كل المدد التي يريد سيادته قعادها، وهذه «الحرة النزيهة» متوفرة عندنا طبعاً كما يري الأعمي في عين خالته رغم تخرسات البعض ومزاعمهم الكاذبة عن شيوع التزوير والتزييف واختلاق نتائج من العدم في انتخابات تميزها دائماً النظافة التامة من الناخبين والمرشحين علي السواء. أما العمود الثاني فهو عبارة عن اكتشاف علمي كيميائي خطير حقق به الدكتور شهاب فضل السبق علي كل علماء الكيمياء السياسية الرئاسية المشتركة (بنين وبنات) شرقاً وغرباً الذين عكفوا من عشرات السنين علي دراسة الآثار الناجمة عن طول البقاء علي مقاعد السلطة والخلود في المناصب العامة، لكنهم لم يعثروا في هذه الآثار علي «الحكمة» التي اكتشفها دكتور المجالس النيابية المزورة.. ربما لأن هؤلاء العلماء كانوا يبحثون عن أفضل النظم والقواعد الدستورية لإدارة وحكم دول وأوطان وليس «مستشفيات» و«أجزخانات»!! علي فكرة، في شارعنا صيدلية اسمها «صيدلية الحكمة»، وطبقاً لنظرية الدكتور شهاب فإن مديرها المسئول يصلح سلطاناً لمصر.. مصرالجديدة ومدينة نصرعلي الأقل.