سأكتبها من جديد: تسقط الوحدة الوطنية. وسأقولها بأعلي صوت ممكن لعل الراقدين تحت الأوهام يستيقظون: تسقط الوحدة الوطنية. النظام والمعارضة والجميع في مصر متورطون في هذه الكذبة الكبري المسماة الوحدة الوطنية. الجميع يكذب وبكامل الأناقة الضرورية لمجتمع يدعي التحضر. الشيخ يقبِّل القسيس و«اللي في القلب في القلب ياكنيسة.. أو ياجامع». مذبحة عيد الميلاد في نجع حمادي.. ليست فتنة طائفية لكنها بشائر حرب أهلية كل طرف فيها ضحية. القاتل والقتيل ضحية أكاذيب كبري عن وحدة وطنية ليست موجودة في الواقع.. ونظام غاب معه العدل العمومي إلي حد مخيف. قلت أمس إن مصر أصبحت غابة. وهي غابة فعلا لا موقع فيها إلا للوحوش المفترسة.. وعلي الحيوانات الأليفة البحث عن قطعان تحميهم من هجمات الوحوش. لهذا يبحث المسلم عن المسلمين ويختبئ المسيحي تحت خيمة الكنيسة. والكنيسة حولت المسيحيين إلي شعب منفصل بقيادة البابا.. والنظام استراح للتعامل مع شخص واحد يتكلم باسم المسيحيين وتحول البابا من قائد ديني إلي زعيم سياسي وأمير طائفة.. يريد أن يضمن نصيب شعب طائفته. هي حرب أهلية غير معلنة لكن تفاصيلها أصبحت واقعًا يوميًا يزداد ضراوة كلما غاب الأمان العادي.. أمان الشخص الصغير بأنه يعيش تحت مظلة دولة توفر له الحدود الدنيا للحياة الآدمية. لماذا يفتش الجميع في الهوية الدينية؟ لماذا أصبح سؤالك مسيحي ولاَّ مسلم عادي؟ لماذا تراجعت رغبة المجتمع كله في الدولة المدنية الحديثة التي لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي ولا بين بحراوي وصعيدي أو غني وفقير.. لا فرق في الحقوق الأساسية ولا توزيع مناصب حسب الحصص الطائفية. في مصر تتوزع المناصب حسب حصة طائفية.. ولا يمكن لمسيحي أن يتجاوز حدود مناصب معينة في الدولة أو الجيش أو في المناصب الحزبية. هذا واقع موجود من بعد ثورة يوليو.. ولا أحد يريد أن يواجهه.. ولا أن يتعامل معه. الجميع حكومة وأهالي.. حزب وطني ومعارضة يرفعون الشعار السخيف: الوحدة الوطنية.. ويحيا الهلال مع الصليب. وعندما اشتعلت فتنة الزاوية الحمراء قبل اغتيال السادات رفعت كل صحف النظام شعارًا أراه أسخف: وحدة عنصري الأمة. السخافة ليست في الشعار.. ولكن في أنه كان مرفوعًا في ثورة 1919.. لحظة تكون الأمة المصرية.. وانصهار الطوائف في دولة حديثة لا تعرف باللون والجنس والدين. وبعد ما يقرب من 100 عام عندما نرفع نفس الشعار فإن ما يحدث خطيئة كبري لن يحلها سوي الاعتراف أولاً بوجود المشكلة. ما يحدث هو «الطرمخة» من الجميع. وفي نفس الوقت تتغلغل الطائفية إلي حد تشتعل فيه حرب أهلية تحت كل سرير وفي كل زاوية ولا يشعر المجتمع بالنار. رصاصات عيد الميلاد هي تعميد للكراهية. وصور الشهداء تكريس للفرقة والانشقاق. عندما يكون ضحايا المذبحة شهداء المسيحيين.. هذا يعني أن هناك انتقامًا قادمًا أو دمًا معلقًا يخص طائفة ضد طائفة أخري. ومن هذا تتشكل ميليشيات الطوائف ولا يخفي علي أحد أن هناك أمراء سريين لكل طائفة يلعبون فيها علي العاطفة الدينية ويصورون ما يحدث في مصر علي أنه معركة سيطرة بين المسلمين والمسيحيين. لا تصلح الشعارات القديمة هنا.. ولا القبلات التليفزيونية.. يصلح فقط.. إرادة سياسية جديدة لبناء دولة مساواة حقيقية علي مفاهيم المواطنة.. تلغي فيها خانة الديانة والحصص الطائفية غير المعلنة. هذه هي الإرادة الغائبة.. وربما النائمة بسبب سريان مخدر: الوحدة الوطنية.