الآن. بعد أن تركوه 12 عامًا يسيطر علي وزارة الإسكان. وبعد أن منحوه وسام الجمهورية من الطبقة الأولي وبعد أن عينوه رئيسًا لشركة الخدمات البترولية حان وقت إخراج الملفات المنسية. لماذا؟ لأنها اللحظة التي رآها من تركوه ومنحوه وعينوه مناسبة للإطاحة ب«كارت» محمد إبراهيم سليمان. أصوات نواب ورموز المعارضة ضاعت وهم يطالبون بمحاسبة الرجل الذي تحاصره ملفات فساد تكفي لإسقاط أنظمة وحكومات. لكن وإمعانا في المكايدة صدر قرار رئيس الوزراء بتعيين سليمان رئيسًا لشركة الخدمات البترولية ليتقاضي من خلال هذا المنصب أكثر من مليون و200 ألف جنيه شهريا. ماذا حدث.. ولماذا أصبحت وسائل الإعلام الحكومية التي ألقت قصائد الغزل الصريح في كفاءة ودأب وإخلاص وأمانة محمد إبراهيم سليمان إبان قيام الرئيس مبارك بمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولي تنهش الآن في لحمه وتتابع يوميا أخبار التحقيقات التي تجريها النيابة في قضيته التي ظهرت فجأة؟ لا أحد يعرف ولن يعرف أحد سر الإنقلاب المفاجيء علي رجل مازال حتي الآن يتمتع بحصانة غربية ، لأن 98% من أمور مصر تدار في الظلام. دعونا نتوقف أمام نقاط لا يمكن تجاوزها حتي لا نتنازل عن حقنا في التساؤل. أولا: قبل 6 أشهر فقط من الآن وتحديدا في 30 يونيو أصدر الدكتور أحمد نظيف قرارا بإسناد رئاسة شركة الخدمات البترولية البحرية ل«سليمان» وذلك للاستفادة من خبراته الواسعة في الوصول بالشركة إلي العالمية، واستقبل نظيف وزير الإسكان الأسبق بحفاوة بالغة في مكتبه وبحضور المهندس سامح فهمي وزير البترول. هذه الخطوة أوحت للكثيرين بأن هذا الرجل خارج نطاق المحاسبة وأنه يتعامل بصورة تتجاوز موقعه كوزير سابق أو حتي شخص «مسنود»، لاسيما أنها جاءت متزامنة مع حملة شرسة مدعومة بالوثائق والمستندات في مجلس الشعب والصحف المستقلة ضد فساد سليمان. ثانيا: في مطلع يناير 2006 وبعد خروجه من الوزارة مباشرة منح الرئيس مبارك محمد إبراهيم سليمان وسام الجمهورية من الطبقة الأولي وهو الوسام الذي اعتبره الكثيرون ورقة التوت الأخيرة التي يمكن أن تحمي ظهر سليمان من الطعنات الكثيرة التي كان متوقعا أن يتلقيها بمجرد خروجه من الوزارة وهو ما حدث..وسريعا جداً، إذ أرسل وزير الإسكان السابق حافظة إلي محكمة شمال التي كانت تنظر دعويي تعويض متبادلة بين سليمان والنائب المستقل علاء عبد المنعم تتضمن صورة من الخطاب الموجه من مبارك إلي سليمان بمنحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولي، وهو ما اعتبره النائب المستقل دليلا علي سوء نية المدعي لأنه تقدم لمحكمة مدنية بهذا الخطاب دون مقتضي، إلا إذا كان يهدف إلي إعطاء انطباع بأنه تحت الحماية. ثالثا: الأجهزة الرقابية كان تحت يدها ملفات سوداء تحتوي علي فساد سليمان، بل إن هذه المستندات تنشر بانتظام في كثير من الصحف منذ خروجه من الوزارة قبل خمس سنوات، ورغم ذلك لم تتحرك لمحاسبته ومساءلته، بل إنها حتي لم تتدخل لدي السلطات المختصة لمنع توليه إدارة شركة البترول. ما دلالات كل ما سبق؟! 1- النظام حتي وقت قريب - وقريب جدا - لم تكن لديه أي نية لمحاسبة محمد إبراهيم سليمان، وهناك شيء ما جد عجل بإسقاطه وفتح ملفاته. ما هذا الشيء الله أعلم! 2- ربما نكون أمام نموذج جديد لرجال السلطة الذين سقطوا في أوقات معينة دون أسباب أو تفسيرات والأمثلة كثيرة لا تبدأ بماهر الجندي ويوسف عبد الرحمن وعبد الله طايل ونواب القروض ولا تنتهي بهشام طلعت مصطفي. 3- أن وسام الجمهورية الذي منحه الرئيس مبارك للرجل لن ينفعه إذا تم تقديمه للمحاكمة لأن هذه الأوسمة ترتب لصاحبها ومن يحصل عليها حقوقا معينة، لكنها لا تمنحه حماية قانونية فهي ليست حصانة، لكنها نوع من التقدير الأدبي، فكل الحقوق التي تترتب عليها بعد ذلك تعتبر حقوقا معنوية وأدبية إذ من حق حامل الوسام أن يدخل قاعة كبار الزوار في المطار إذا كان مسافرا أو عائدا من الخارج.. ومن حقه كذلك أن يدعي ضمن الشخصيات العامة إلي المناسبات القومية والاحتفالية التي يحضرها الرئيس، فالوسام- بحسب فقهاء القانون- اعتراف بتقديم الشخص لخدمات جليلة للوطن. 4- هناك احتمال آخر بعيد لكنه ليس مستبعدا علي النظام الذي يتحفنا دوما بكل ما هو جديد. أن تكون هذه الملاحقة القانونية والحكومية لإبراهيم سليمان مجرد غسيل ذنوب، حيث قد تستمر هذه الحملة حتي يمثل الرجل أمام القضاء الذي يقول كلمته فيبرئ ساحته لأسباب قانونية ولكن بوسائل غير شرعية، بعدها يعود سليمان إلي المربع صفر سليما معافي ووقتها يجد كل معارض نفسه أمام أمرين إما أن يواصل حملته علي الرجل الذي برأه القضاء وبالتالي يلقي بنفسه إلي التهلكة أو يرفع القبعة للنظام علي براعته في الشر. أخيرا نحن من موقعنا في مدرجات الدرجة الثالثة علينا أن نواصل المشاهدة، نري فقط ما يريد أصحاب الملعب إظهاره لنا.