هل لا توجد مناطق أخري في الحياة يتحدث عنها هاني شاكر غير الحرمان والهجر والجرح و«الحياة اللي ملهاش لزمه من غير حبيبه»؟ ألم ينزل إلي الشارع مرة فوجد أن هناك واقعاً صادماً بعض الشيء يجعله يعيد النظر في تلك المعاني؟ هو دوماً يبحث عن شعراء ومؤلفين يقفون معه علي نفس الخط الذي يلازمه منذ ما يقارب الأربعين عاما..في ألبومه الأخير «بعدك ماليش» تستقبلك آهاته مع ناي حزين.. يعود في الأغنية ليؤكد معلومة قالها عشرات المرات وهي إن «كل يوم يكبر هوانا في قلبنا» هل هذا معقول؟..يواصل هاني شاكر مسيرته الرومانسية بكلام مستهلك: «إزاي يا حبيبي أعيش من غيرك.. طعم الحياة أحزان من غيرك»، إنها كلمات نبيل خلف، والرومانسية كما يفهمها هاني شاكر، صوته بالطبع لا غبار عليه، لكن من المؤكد أيضاً أنه يظلمنا، ويستخسر عمل أغنية جيدة في المستمع، كيف يمتلك كل تلك الموهبة ثم يصر علي سلسلة الآهات التي يأخذها معه من ألبوم لآخر؟!، يودعنا بها ويستقبلنا بها، فقط يضع فواصل قصيرة للراحة، أغنية «أحلي الذكريات».. خالد البكري وضع لها لحناً وتوزيعاً يحمل نوعاً من التمرد أبرز مساحات الصوت القوية، لكن صاحبه يواصل: «ليه..ليه» التي سبق وأن رددها بالطريقة نفسها في «سبتيني ليه»، نعومة الجيتار تتماس مع نعومة أداء لا يحرمنا منها هاني شاكر الذي يعيش في الذكريات إلي الأبد، يجب أن نؤكد أنه هذه المرة أيضاً «هيموت م اللهفة عليه»، لكن تحية لأدائه المتميز للأغنية، «الإخلاص» كلمات أكثر تميزاً مع نبيل خلف: «أنا فاكر وأنت النسّاي، أنا ببعد وإمتي هتلحقني، أنا بيني وبينك مسافات هتقرب لما تصدقني»، الكلمات متميزة جدا، لكن لحن وليد سعد نزل بها أكثر من درجة، وكذلك توزيع أحمد عادل الفقير أوحي لنا أننا نستمع إلي أغنية من الثمانينيات، عودة للتقليدية في «لو خيروني» كلمات إسماعيل رأفت:«أوصفلك الحب اللي فيا في كام سنة يا أغلي شيء في الدنيا ديه عندي أنا»، تكرار ممل للمعني بطريقة لم نعرف لها سبباً، اختيار الموزع محمد مصطفي لآلات الكمان، والساكس مناسب لعدم وجود أي مغامرة في الأغنية، الكورال أيضاً تم توظيفه بشكل يلائم الأجواء المفرطة في الرومانسية والتقليدية، وهو يكمل مع هاني شاكر تساؤلاته التي تتردد بشكل يمزج بين الفرح والحزن«أوصفلك الحب اللي فيا في كام سنة»، الشاعر محمود الشاذلي كان مخلصاً جداً وهو يكتب «لمسة إيديكي»، لكن لماذا كل هذا الكم من الآهات، هل هناك ضرورة فنية مثلاً لا نفهمها؟، مثلاً كان يمكن أن تكون لآلات الكمان كلمة النهاية منفردة لكنه يأبي إلا أن تكون لآهاته الكلمة الأخيرة، كأنها آهة مقدسة، «سبع أيام»..إيقاع راقص أخيراً يعبر عنه الأكورديون، مع سذاجة واضحة في التعبير عن الفكرة التي تدور حول الشروط والقواعد التي تحكم حياة الشريكين، هاني شاكر أيضاً أداها ببساطة وصلت إلي عدم الاهتمام، لحن وتوزيع محمد ضياء الدين كان متوافقاً مع حالة التواضع التي تميز الأغنية، «الكامنجات» في أغنية «كل حاجة» كانت أكثر انطلاقاً من صوت هاني شاكر، وأكثر تعبيراً عن اللحن، أما كلمات هاني الصغير فهي تدور في نفس الفلك:"كل شيء جميل حتي العذاب"، وهذا يكفي لتخيل كمية السعادة التي يشعر بها هاني شاكر علي طول الخط، وكمية الرومانسية التي تتوافر لديه فكما نري أن الحياة وردية، و"كل شيء جميل حتي العذاب"، هاني الصغير يأتي ب «حكايات الدنيا» ليؤكد أن هناك «حزن مالوش نهاية»، و«الحب بقي في خطر»، هاني شاكر بدوره غناها «بنحنحة» مفتعلة، لحن خالد جنيدي بدوره يخدم فقط رغبة هاني شاكر في إظهار الأنين، واختتمت بوصلة آهات امتدت لنصف دقيقة، قول جميل للكمان الذي اختاره الموزع تميم في بداية «أحلم بمين غيرك»، ولحن لخالد جنيدي «تسعيناتي» جداً تنويعة علي أغنية «الضحكاية»، وزملائها من «مشوار الدنيا» وغيرها، «مجرد وقت» أغنية رقيقة رغم أن معاني الضياع والألم تسيطر بشكل مفزع، لكنه كان أهدي وهو يغني لم يزد ولم يطل ولم يبالغ، الكامنجا أيضاً لها فاصل مميز، باختصار هناك أكثر من سبب لتواصل الاستماع لهذه الأغنية التي وزعها باقتدار عادل حقي، قليلة هي الأغنيات التي يقرر فيها هاني شاكر أن يكون أقل حزناً منها «ياليلي ياليل»، يشترك بها الثنائي نبيل خلف، ووليد سعد، ورغم أنها أغنية عادية جداً، لكنك يجب أن تستمع إليها كي تستطيع مواصلة رحلة الحزن التي بدأتها منذ عشر أغنيات مضت، التقليدية الشديدة التي يؤدي بها الكورال تجاهلها إن أردت، وافعل الشيء نفسه مع التيمة المحفوظة للحن، والكلمات، وتأكد أن هذا أفضل كثيراً من تأوهات العذاب، والضني. هاني شاكر يؤلف ويلحن ويغني في أغنية «صعب جداً»، يمكنك أن تستمع إليها بلا ملل ليس لأن موضوعها جديد لأن هذا غير حقيقي وليس لأن بها مغامرة ما لأنه يبدو أن هذا الشيء لن يفعله هاني شاكر أبدًا، وليس لأن بها كلمات جديدة لأنه يقول بها: «يا حبيب عمري وحياتي ونور عيني يا أرق ملاك نزل علي الأرض ديه..ده أنت روحي وحياتي أنت عايش جوه قلبي»، ولكن لأن هناك لحناً شديد الذكاء وأداء ناضجاً فعلاً به سلاسة سوف تجعلك تتغاضي عن كل تلك الأشياء، هذه الأمنيات الطفولية السعيدة التي يتمناها هاني شاكر لحبيبته دوماً سوف يختتمها بطلب عجيب في أغنية «علمني أسباب الفرح»، وهي الأغنية الرابعة لنبيل خلف في هذه التجربة، والسادسة لوليد سعد، الشاعر لم يقل علمني الفرح ولكنه اكتفي بأسبابه، ورغم أن هذا الشيء صعب جداً لأنه مفيش حاجة اسمها «علمني أسباب الفرح أصلاً»، لكن هاني شاكر سوف يحاول أن يشرح لنا خلال الأربع دقائق والأربع والثلاثين ثانية مدة الأغنية التي تحتوي علي جمل عجيبة منها «من قسوتك قلبي انشرح»، «فكرت مرة أودعك الشوق غلبني ورجعك»، مع أنه من المنطقي أن تكون الجملة علي هذا النحو «فكرت مرة أودعك الشوق غلبني ورجعني»، لحن وليد سعد هو أفضل ما في الأغنية، ختام لائق جداً بألبوم لن تستطيع أن تميز بين أغنياته التي تشعر بأنها مجرد امتداد لأغنية واحدة مطولة بدأها هاني شاكر منذ عشرات السنوات، هو فقط يأخذ من السنين نضج الأداء، ثم يستعين بكلمات أغنياته القديمة ويعيد صياغتها مع شعراء آخرين.