فى مشهده الإرتجالى مع «وحيد سيف» و»المنتصر بالله» فى مسرحية «شارع محمد على»، يتم طرح تساؤل ينبغى على أى بنى آدم أحب هذا الفنان وعشق مشاهده القليلة -والمميزة فى نفس الوقت- فى أى فيلم أو مسلسل أو مسرحية أن يسأله؛ هو ليه «يوسف عيد» ما اتشهرش زى نجوم الكوميديا الكبار اللى على الرغم من إنهم ما بيضحكوناش زيه إنما نجوم وبياخدوا ملايين بينما هو دائما حبيس الأدوار الصغيرة الثانوية؟! فى المسرحية يؤدى يوسف عيد الدور الذى أداه كثيرا، القهوجى، حيث يدخل إلى خشبة المسرح، فيصفق الجمهور تسقيفة سريعة، بينما يحنى «يوسف عيد» رأسه خجلا، فهو يعلم أنه موهوب جدا وكوميدى بالفطرة وحيوقع الناس على الأرض من الضحك، إنما هو أيضا يعلم أن لتلك الحياه حساباتها الخاصة، ومنطقها غير العادل فى كثير من الأحيان، وهذا المنطق ينص على أنه «الموهبة والإجتهاد مش كل حاجة»، لهذا هو يعلم أن هذا الجمهور الجالس على الكراسى يتعامل معه ككومبارس، ويعلم أن تلك التسقيفة التى سوف ينالها عند دخوله هى تسقيفة روتينية، الناس فى المسرح اتعودوا يسقفوا عند أول ظهور لأى حد، حتى لو كانت الشغالة، اللى دايما المسرحيات بتبدأ بيها وهى رايحة ترد على التليفون اللى بيرن، أو كان القهوجى الذى يبدأ صوته غالبا من الكواليس وهو يقول: أيوه جااااى، بعد أن ينده البطل عليه. يصفق الجمهور تصفيقته الروتينية السريعة، يجدها وحيد سيف فرصة لإلقاء إفيه؛ فينظر له ويسأله: «إنت جايب حد معاك؟!»، يُحرَج «يوسف عيد» وينظر لوحيد نظرة عتاب، إلا أن وحيد سيف يستطرد: «لا بجد.. إنت جايب حد معاك؟ أول مرة من اربع سنين حد يعبرك، إنت قاطع لحد تذاكر ولا حاجة؟ أصل انا مش زعلان عشان حاجة، زعلان عشان انت بتمثل من 67، دا لو حمار كان اتشهر»، وعندها ينطلق الجمهور فى التصفيق بحماس حقيقى، ليوسف عيد ولإفيه وحيد سيف، ولأننا فى مسرح، وماحدش ينفع يلاقى قدامه إفيه ويرفصه، يتدخل المنتصر بالله: «عاجبك كده، أهو اتشهر»، فيضج المسرح بالتصفيق أكثر. هو «زكريا الدرديرى»، مدرس الرياضيات والفرنساوى على ما يجيبوا مدرس فرنساوى، هو المعلم «عبده» صاحب مكتب حانوتى الشباب الذى ذهب إلى أحمد حلمى عشان يعمله دعاية تهز المقابر، هو الأستاذ دكتور «عبد ربه» اللى قاعد فى أوضة العمليات بيفطر ويشرب سجاير وشاى وهو يشرف على عملية جراحية بينما يخبر الدكاترة المتدربين «قفِّل كويس» قبل أن يرن موبايله فيخبر الدكتور: «أهو دا صوت موبايلى أنا بقى.. شوفه عندك كده.. حتلاقيه جنب الرئة»، هو الذى من فرط تواجده فى كل الأعمال الفنية ببصمته المميزة بات أشبه بالهواء، لا نكاد نلحظ وجوده إلا بعد اختفائه. «يوسف عيد» حالة مميزة فى الفن المصرى، ينتمى إلى قطعية عبد السلام النابلسى، الكاراكتر شديد التميز اللى لو شلته من اللقطة تبوظ، واللى ما تقدرش تتصور أى ممثل تانى بيعمل أى دور من اللى عملهم، إنما مافيش منتج حيغامر ويخليه يشيل فيلم لوحده، خوفا من تكرار تجربة فيلم «حلاق السيدات»، أول وآخر بطولة للعظيم عبد السلام النابلسى، الذى أحبته الجماهير إلا أنها اختارت ألا تصنع منه بطلا. يوسف عيد، ليس سوى دليلا جديدا على أن الحياه غير عادلة، وعلى أن النجومية والشهرة لهما حسابات ومعايير أخرى بخلاف الموهبة والتميز والاجتهاد، وحتى تنتظم المعايير على الكوكب، يظل يوسف عيد فى شرع الفن بمعيار العدل نجما وبطلا. وهى النجومية إيه غير كل ذلك المقدار من المحبة الذى نحمله لهذا الرجل اللى ما ظهرش فى مشهد إلا وضحَّكنا ومامثلش دور إلا وخلانا نصدقه! الفنان العظيم الذى نحبه جميعا «يوسف عيد».. عساك تجد العدالة التى لم تجدها فى حياتنا تلك فى حياتك الأخرى.. سلام...