هي الحادثة التي كشفت عن ساقيّ تمثال الحرية، فبات في أعيننا كامرأة لعوب، كانت تمارس الغواية بعيداً عن العيون خوفاً وببعض الخجل، ثم باتت أكثر جرأة و«وقاحة» في الإعلان عن نفسها بعدما رأت فينا ضعفاً ربما، أو بعدما أيقنت أنها قد نجحت بالفعل في توريطنا معها فيما يخل بالشرف. الحادثة الأشهر التي بدأت بها صفحات التاريخ سطور القرن الحالي، انهيار برجيّ التجارة العالميين في 11سبتمبر.. لم يكن العالم منفصلاً تماماً بين شرق وغرب، فقد كانت تلك اللعوب قد نجحت بالفعل في إغواء الكثيرين، منهم «د.أبو الفرج»، الشخصية الرئيسية في العرض المسرحي «الحادثة التي جرت» هو الأستاذ الجامعي الذي هاجر من مصر إلي أمريكا ليعمل بالتدريس في إحدي جامعاتها، أحب زميلته الأمريكية وتزوجها، وهي أحبته وأسلمت عن اقتناع حقيقي، غير أنها لم تستطع أن تغير ما زرعه فيها مجتمعها، ندرك ذلك من خلال ما يصل إليه الابن والابنة، لكل منهما علاقة غير شرعية وجنين لا سبيل له إلي الحياة. تنقلب حياة الأسرة رأساً علي عقب عندما ينهار مركز التجارة، يفاجأون بالاضطهاد والعنف في بلاد تصوروها أرضَ أحلامهم وعاشوا عليها كمواطنين أصليين، ثم باتوا غرباء في لحظة. يقتحم حياتهم مفتش من ال «أف بي آي»، يحقق مع الأب باعتباره شقيق لاثنين من المتشبه فيهم في الحادث، «أبوالحسن» و«أبو الفتوح»، أحدهما في أفغانستان والآخر بالعراق، وبعد تحقيق مطول وعنيف، وبعد سجن وترويع أدي به إلي المرض النفسي، بحيث يتصور نفسه «أسامة بن لادن» رغبة منه في امتلاك قوة يدافع بها عن نفسه أمام كل هذا العنف والاستعلاء، يطلب من د.أبي الفرج أن يعود إلي بلاده الأصلية، مصر. وبعد العودة، نري الوجه الآخر للمرأة اللعوب، التي لا تتخفي وراء التحضر وإنما وراء تزمت وخرافات، يتحول الابن والابنة إلي التشدد الظاهري في ملبس وكلمات فصيحة وهما يعيشان حياة اللهو نفسها التي كانت في أمريكا ولكنها تختبئ وراء ورقة زواج عرفي، وكما فوجئ الدكتور بفكرٍ متطرف هناك يفاجأ بما يجده لدي شقيقيه وزوجتيهما من عنف فكري وتزمت جاهل يلخصه المؤلف في محاولة زوجتي الشقيقين لإجراء عملية الختان للزوجة الأمريكية، تنتهي الأحداث فجأة برجوع الابن والابنة عن تخلفهما، وعودتهما إلي التوازن النفسي وتتشابك أيدي الأسرة كلها في نية واضحة علي مقاومة أي إرهاب من هنا أو هناك.. أراد الكاتب الكبير «أبو العلا السلاموني» أن يفتح الجرح علي آخره. ولولا أن بطل العرض «فاروق عطية» قد تعرض إلي أزمة صحية مفاجئة ما وقف المخرج ماهر سليم بدلاً منه مؤدياً دور الدكتور «أبو الفرج»، فكان أداؤه مقبولاً إلي حد كبير، «ولاء فريد» في دور الزوجة الأمريكية امتلكت حضوراً واثقاً وخفة ظل، كذلك «وائل إبراهيم» في دور الابن، و«لمياء حميدو» الابنة.. وبرغم الأداء الجيد والحضور الذي تميز به «محمد إبراهيم» إلا أنه لم يكن الأنسب لشخصية مفتش ال «إف بي آي»، فملامحه شرقية خالصة لا تقنعك أبدا بأنه ذلك المحقق المتغطرس الذي يضطهد كل ما هو عربي أو شرقي.. وتميزت كل من «فوزية أبو زيد» و«مني شاكر» في دوري زوجتي الشقيقين.. الديكور كان معبراً، صنعه «عمروعبدالله»، وكذلك الملابس لهبة عبدالحميد.. الاستعراضات كانت سيئة إلي حد كبير، برغم جودة الموسيقي والأغنيات التي أدتها «منال»، و«محمد سالم» بصوت قوي دافئ، غير أنها بدت كفواصل مقحمة علي العرض غير منسجمة معه. النهاية المفاجئة والتغيير غير المبرر الذي انتاب الأسرة، وانصلاح أحوالهم الفكرية بلا مقدمات ولا سبب واضح هو أبرز سلبيات العرض، حيث لا تجد دافعاً للتصديق أو التفاعل مع ما تشاهده، ولأنه علي وجه آخر يكرس للصورة التي جسدها لنا العرض عن الشخصية العربية التي تستمرئ السلبية، وكأنه لا بديل لنا عن الاستسلام لما يفعل بنا ويحل علينا من حيث لا ندري. العرض يحمل الكثير من الفكر والمتعة والسخرية، برغم سلبياته، حتي لو أثار غيظك ودفعك لأن تقول: «لسنا إلي هذا الحد من السلبية والتراجع الفكري وقلة الحيلة».