أعدت صحيفة «العرب» اللندنية، تقريرًا حول زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لروسيا، غدا الثلاثاء، مشيرة إلى أن الزيارة وفقًا لخبراء، تُعدّ نواة لتدشين مرحلة جديدة للسياسة الخارجية المصرية، تخرج القاهرة بمقتضاها من كمّاشة واشنطن وتبدأها من موسكو، ولاسيما في ظل تصاعد حدة الأزمات الإقليمية والدولية ووجود تباين في كثير منها. قال عزت سعد، سفير مصر السابق في موسكو، إن زيارة السيسي إلى روسيا ترسّخ لمبدإ التوازن في سياسته الخارجية، وإن هناك بدائل وخيارات كثيرة أمامه، مضيفا أنها تدعم استقلالية السياسة الخارجية بعد ثورة 30 يونيو، وذلك في ظل الضغوط الواقعة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية وما يمارسه الغرب عليها من ابتزاز، وعندما تتم الزيارة في هذا التوقيت، فهي رسالة للجميع بأن القاهرة لها مصلحة الآن مع موسكو ولن تستجيب للضغوط.
وأكد سعد، في حديث مع «العرب»، أن هناك حزمة منافع مؤكدة لمصر من هذه الزيارة، متوقعا أن تتعاظم المصالح بين الدولتين خلال المرحلة المقبلة، بناء على الميراث الضخم من العلاقات، خاصة بعد تفعيل اتفاقية الشراكة الموقعة بين البلدين أثناء زيارة السيسى (وزير الدفاع آنذاك) ونبيل فهمي وزير الخارجية السابق إلى موسكو في فبراير الماضي، ضمن مبادرة 2+2.
ورأى أن ما يقال عن الزيارة أنها انعكاس لغضب القاهرة من سياسات واشنطن تجاهها عقب ثورة 30 يونيو وتأييدها للإخوان المسلمين، مبالغ فيه، مؤكدا أنّ تحرك القاهرة تجاه موسكو ليس ردّ فعل على السياسات الأميركيّة، لأن التعامل بسياسات رد الفعل انتهى، لكن الآن هناك نهجا ثابتا وواضحا في سياسة مصر الخارجية، فالعلاقات السياسية لا تسير وفقا لردود الأفعال، لكن بناء على أولويات البلاد ومصالحها الإستراتيجية، ومصر الآن تقول "هذه مصلحتي والمجال مفتوح أن أحصل على كل ما أحتاجه من روسيا.
من جانبها، اعتبرت هالة مصطفى، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن زيارة السيسي كأول رئيس مصري منتخب بعد ثورة 30 يونيو لموسكو وليست واشنطن، يحمل تغييرا مهما في التوجه المصري الخارجي في علاقاتها بالدول الكبرى، خاصة أنها تأتي بعد أيام من اعتذاره عن حضور القمة الأميركيّة الأفريقية في واشنطن.
وقالت مصطفى ل«العرب» إن مصر منذ فترة تعيد صياغة سياستها الخارجية، خاصة وسط التوتر المستمر مع الولاياتالمتحدة، وتعليق الأخيرة لجزء من المساعدات العسكرية، وتجميدها صفقة طائرات الأباتشي التي لا تزال تراوح مكانها، وفي ضوء ذلك كان على مصر أن تفتح آفاقا أخرى لعلاقاتها العسكرية.
بدوره أوضح إكرام بدرالدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: أنه لا يمكن فصل زيارة السيسي لموسكو عن المشروعات القومية الضخمة التي تعتزم مصر تنفيذها، وكان أولها مشروع محور قناة السويس، وبدون شك مصر تسعى للاستفادة التكنولوجية من حليف إستراتيجي ساهم في بناء أحد أهم المشروعات المصرية في القرن الماضي وهو السد العالي.
واعتبر عدد من الخبراء أن زيارة السيسي لموسكو، بمثابة إعادة صياغة تحالف مع الشرق على حساب الغرب، خاصة أن الرئيس المصري من المتوقع أن يتوجه قريبا إلى بكين لتلبية دعوة رسمية من الرئيس الصيني تلقاها الأسبوع الماضي أثناء زيارة وزير خارجية الصين للقاهرة.
لكن السفير سعد يرى عكس ذلك، وقال: لا أريد أن أستخدم كلمة تحالفات لأن زمن الحرب الباردة انتهى، والآن هناك مصالح متبادلة ومشتركة، لافتا إلى أن علاقة مصر بالولاياتالمتحدة هامة، وروسياوالصين ليستا بديلتين عن أميركا، رغم أن العلاقات متوترة مع واشنطن.
واعتبر التوتر في العلاقات بين القاهرةوواشنطن وقتيا وسيزول، لأن الولاياتالمتحدة تدرك جيدا ثقل وأهمية مصر، وفي ضوء الرسائل الأخيرة لن تتعامل أبدا معها على أنها دولة هامشية، والدليل الأزمة الأخيرة في غزة وفشل كل محاولات تخطي دور مصر، إلى تركيا وقطر وفي النهاية عاد الجميع إلى القاهرة.
وصرح عبدالمنعم المشاط أستاذ العلوم السياسية والملحق الإعلامي المصري السابق في واشنطن، بأن تبرؤ أوباما الأخير من الإخوان يعدّ تحولا هاما في مواقف الإدارة الأميركيّة من مصر، ومؤشرا على أنه يعيد النظر في علاقة بلاده بمصر.
وأشار المشاط إلى أن هناك مصالح قوية نشأت بين أميركا وتيارات الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان التي ترتبط بمشروع إعادة تقسيم المنطقة ومواجهة التيارات الأكثر تطرفا وضمان أمن إسرائيل ومصالح أوسع في الشرق الأوسط، لكن الولاياتالمتحدة أدركت أخيرا أن سقوط الإخوان في مصر معناه سقوط هذه المصالح.
ومن جانبه، قال طارق أبوالسعد، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان والباحث في شؤون الإسلام السياسي، إن الإدارة الأميركيّة حاولت بخطاب أوباما للإخوان التهدئة مع النظام المصري، بعد أن أيقنت أنها لن تستطيع معاداة الدولة، خصوصا أن الشعب يلتف بكثافة حول الرئيس السيسي، وهذا جعلهم يفكرون أكثر من مرة في تبني الإخوان وتنظيمهم الدولي.