وسط أجواء مشحونة، واشتعال الأوضاع فى غزة، وتصارع القوى الكبرى على ثروات إفريقيا، وتمسك أمريكا بموقفها الداعم لإسرائيل، وانتشار الأوبئة ببلدان إفريقيا، تستضيف الولاياتالمتحدة القمة الأمريكية الأفريقية وظهور العديد من التكهنات حول نتائج القمة. يشارك فى القمة أكثر من 50 رئيس دولة أفريقية وعربية، ممثلين لقارة إفريقيا، فى قمة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الولاياتالمتحدة، والتى رفض الرئيس عبد الفتاح السيسى الاستجابة لدعوة الرئيس باراك أوباما له لحضورها. وسيكون التركيز الأكبر للقمة الأمريكية الإفريقية التى تستضيفها العاصمة الأمريكيةواشنطن فى الفترة من 4 إلى 6 أغسطس الجارى، على الإمكانات والفرص الاقتصادية الهائلة التى تقدمها القارة الإفريقية للولايات المتحدة. ويؤكد المراقبون أن أكبر أهداف هذه القمة، تأمين الاحتياجات البترولية، حيث تستورد أمريكا 17% من احتياجاتها من إفريقيا، فقد قدَّر مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أنكتاد)، حجم احتياطى البترول فى القارة 80 مليار برميل، أى ما نسبته 8 % من الاحتياطى العالمى الخام، وأصبحت إفريقيا تنتج ما يقرب من 4 ملايين برميل يومياً، كما ذكر مجلس الدراسات والأبحاث الوطنى الأمريكى فى دراسة له إن بإمكان الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تستورد من الآن وحتى العام 2015 ما يقرب 25 % من احتياجاتها من البترول من إفريقيا.
وتتناول القمة ثلاث ملفات رئيسية وهى مستقبل الاستثمار فى إفريقيا، وسبل تعزيز وتوسيع نطاق التجارة وفرص الاستثمار، وتدعيم التنمية المستدامة فى إفريقيا، خاصة وأن إفريقيا تمثل سادس أسرع المناطق فى العالم من حيث النمو الاقتصادى، وتركز القمة على مناقشة كيفية ترجمة فرص النمو الاقتصادى السريع إلى تحقيق تنمية مستدامة لخدمة مواطنى القارة، وسيوفر فرصًا هائلة للشركات الأمريكية فى العديد من المجالات، كما ستركز القمة على قضية السلام والاستقرار الإقليمى، خاصة بعد تزايد الصراعات فى عدد من الدول الأفريقية فى السنوات الأخيرة، وطول أمد بعضها الآخر كما هو الحال فى الكونغو الديموقراطية والصومال، وليبيا، ومواجهة الأرهاب.
وقال مراقبون إن قرار الرئيس السيسى بعدم حضور هذه القمة، يعود بدرجة ما إلى قرار الإدارة الأمريكية عدم عقد أى لقاءات ثنائية بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وأى من الرؤساء الأفارقة المشاركين فى القمة، الأمر الذى علله الأمريكان بصعوبة توفير وقت للمقابلة، ولو حتى نصف الرؤساء الأفارقة على هامش القمة التى ستشارك فيها أكثر من 50 دولة إفريقية.
توقعت مصادر دبلوماسية متطابقة قرارات مماثلة من عدد من القادة الأفارقة فى ضوء الترتيبات الأمريكية الراهنة التى تستبعد اللقاءات الثنائية بين أوباما والقادة المشاركين، وهى الترتيبات التى لا يتوقع تغييرها خلال الأيام المقبلة. فقد كلف الرئيس الجزائرى، عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الوزراء عبد المالك سلال، يرافقه كل من وزير الطاقة يوسف يوسفى، ووزير الصناعة والمناجم، عبد السلام بوشوارب، والوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية عبد القادر مساهل.
ويرى خبراء بالشؤون الأفريقية، أن السيسى يحتفظ بأسباب كثيرة تمنعه من حضور القمة الأمريكية الأمريكية، لأنه رأى الوقت غير مناسب لحضور قمة مماثلة فى ظل وجود عدد من الملفات الخلافية فى العلاقات المصرية الأمريكية، كالإفراج عن عن حزم المساعدات العسكرية لمصر، والتحديد صفقة الأباتشى واستمرار دعم أمريكا للإخوان، واتخاذ موقف من سد النهضة الإثيوبى. ويرى خبراء فى العلاقات الدولية، أن عدم حضور مصر للقمة الأمريكية الأفريقية، يجعل أمريكا هى الخاسر الوحيد، لأنها تتجاهل دولة محورية لها كلمتها فى المنطقة، ويثبت أن إدارة الرئيس اوباما مازالت لم تدرك مقتضيات العمل الدولى، ولا تريد حل مشاكل إفريقيا بل تزيدها تعقيدًا.
ومن المتوقع أن تناقش القمة ملفات معاداة الديقراطية وانتهاك حقوق الإنسان فى مصر، وهى القضايا التى اعتادت السياسة الأمريكية توجيهها للإدارة المصرية لوضعها تحت ضغط، وتبقى مصر فى موقف الدفاع، الأمر الذى يتعين مهارة من رئيس الوزراء المصرى فى بلورة الموقف المصرى، للتعامل بندية مع الأمريكان، والضغط عليهم لتعديل الاستراتيجيات الأمريكية فى الشرق الأوسط.
وفى أطار الحرب الباردة بين الكبار، يرى المراقبون أن أمريكا نظمت القمة لأول مرة فى تاريخها لمنافسة «التنين الصينى»، بعقد صفقات مليارية مع إفريقيا، وصرح مسئولون إن الولاياتالمتحدة ستعلن عن صفقات بنحو مليار دولار وزيادة التمويل لعمليات حفظ السلام، ورصد مليارات الدولارات للتوسع فى برامج توصيل الغذاء والكهرباء بإفريقيا. فى الوقت الذى تسعى فيه أمريكا لتقليم أظافر الصين فى إفريقيا ووقف آمالها التوسعية فى الاقتصاد، تسعى الصين أيضًا للدخول للمعترك السياسى من خلال اتخاذ مواقف دولية فى قلب منطقة الصراع، حيث أستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وانج يى، وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية، والسفير سونج أيجو، سفير الصينبالقاهرة، وشين أكسيودونج، مدير عام إدارة غرب آسيا وشمال إفريقيا بالخارجية الصينية، فى أول رد فعلى على عدم حضور مصر لقمة أمريكا. وأكد وزير الخارجية الصينى، على دعم بلاده الكامل للمبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة، ورغبتها في رؤية المفاوضات تبدأ فى القاهرة، وأضاف الوزير الصينى، أن بلاده تقدر أن تطوير علاقاتها مع مصر يتعين أن يتركز على منظور استراتيجى بعيد المدى، والمشاركة فى تحقيق التنمية الاقتصادية، معربًا عن ثقة بكين فى استئناف مصر لدورها التقليدى فى محيطها الإقليمى وعلى الصعيد الدولى.
وقال مسؤولون أمريكيون إن من المأمول أن تسلط القمة الضوء على مدى اهتمام الولاياتالمتحدة بالمنطقة سريعة النمو وذلك عن طريق سلسلة من اتفاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز التجارة والاستثمار. ويشير تفشى فيروس إيبولا المميت فى ليبيريا وغينيا وسيراليون إلى الحاجات التنموية الضخمة فى بعض البلدان الأشد فقرا بالمنطقة رغم النمو الاقتصادى السريع والاستثمار، وهون مسؤولو الإدارة من الأسئلة عن ما إذا كانت القمة رد فعل على الحضور المتنامى للصين فى المنطقة مشددين على أن المصالح الأمريكية تتجاوز النفط والمعادن الأفريقية التى ينصب اهتمام الصين عليها.