.. تلتحم في تمام الثانية، بعد ظهر غد الجمعة، وقفة احتجاجية "صامتة" أمام مسجد سيدي جابر بمدينة الإسكندرية، تضامنًا مع شهيد الطوارئ الشاب خالد سعيد .. .. سألني البعض عن معني توافق الدكتور محمد البرادعي، وحمدين صباحي، وكاتب هذه السطور، وقيادات الجمعية الوطنية للتغيير: نافعة، والغزالي، والخضيري، والحريري، وجورج إسحق، وقيادات الإخوان، ونساء من أجل التغيير، وأحزاب الغد، والجبهة، والكرامة، والوسط، والعمل، وحركتي كفاية، و6 أبريل، وغيرها علي تلك الوقفة .. التي يراها البعض الأولي من نوعها، من حيث التنوع الذي يغطي معظم ألوان الطيف السياسي المصري ؟! .. سألني كثيرون: هل نجح حادث إغتيال مواطن مصري واحد، فيما لم تنجح فيه عملية اغتيال أمة كاملة من خلال أزمات معقدة، تهدد الوطن مثل تعديل الدستور، والطوارئ، وتزوير الانتخابات ؟! فجمَّع دم خالد سعيد، من تفرقوا، رغم كل ما يجمعهم من غايات نبيلة، وشريفة، وتحديات كبيرة، واستحقاقات عظيمة، وواجبات مشتركة!! ..أحسب أن الإجابة الدقيقة والصحيحة للسؤال تقتضي أن نتلمس الوجه الحقيقي لقضية خالد سعيد، ليس بوصفها حادثًا «عرضيًا» كثيرًا ما تورطت الشرطة في مثله، دون أن يحظي الفعل، بذات الإدانة والإبانة ورد الفعل، لكن بوصفها حادثًا « تشخيصيًا» يجسد في صورة درامية عنيفة جميع أوجاع وأمراض هذا النظام، بداية من الدستور الغائب، أو الحقوق المغيبة، والطوارئ والانتخابات التمثيلية المزيفة، وغياب العدالة في كل شيء في مصر !! .. تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عن الفترة من يونيو 2008، وحتي فبراير 2009، يؤكد وجود 93 حالة وفاة تحت وطأة التعذيب، من بينهم 56 حالة تعذيب لحد الموت في أقسام الشرطة المصرية، وكان يمكن أن تكون حالة خالد سعيد، واحدة من تلك الحالات! فماذا اختلف إذن ؟! ولماذا لم تستنفر هذه الحالات ال56 الموثقة، القوي المجتمعية والسياسية بذات قدر ما يحدث مع خالد ؟! .. إجابة هذه الأسئلة وغيرها تقتضي منا أن نضع الحقائق الآتية: .. أولاً: الأكثر استفزازًا في حالة الشهيد خالد سعيد، ليس الفعل - رغم بشاعته - لكن رد الفعل الرسمي الغبي والمتعنت والمكابر، إلي حد الجنون، أو العته !! فكان بإمكان النظام أن يمتص جانبا كبيرا من غضب الناس والشارع باتخاذ الحد الأدني من الإجراءات القانونية بإلقاء القبض علي الجناة بوصفهم متهمين أبرياء إلي أن تثبت إدانتهم، بدلاً من محاولة اغماط الحقائق، وتلفيق الاتهامات للضحية ومحاولة إظهاره في صورة المجرم والجاني بدلاً من حقيقته كمجني عليه .. .. منذ حوالي ربع قرن، وتحديدًا في نهاية الثمانينيات، أدرك ذات النظام خطورة تصاعد الغضب الشعبي في الرأي العام، والإعلام، من وقوع جرائم تعذيب بشعة في قضية اغتيال السادات، فقدم 44 ضابطًا كبيرًا معظمهم من جهاز مباحث أمن الدولة لمحاكمة جنائية انتهت ببراءة ال 44 ضابطًا وبتفريغ شحنة الغضب الشعبي في الرأي العام . .. أسماء كبيرة في جهاز الشرطة مثل اللواء محمد عبد الفتاح عمر، ومحسن حفظي، والسرساوي وغيرهم كانت في صدارة قرار الاتهام في تلك القضية الشهيرة والتي لم تحل دون عودتهم لعملهم وتولي بعضهم مواقع تنفيذية محافظين ونوابًا بالبرلمان وغيره .. .. لكن المشكلة الحقيقية أن النظام الذي تصرف بهذا القدر من الحنكة والمناورة منذ ربع قرن فقد هذه القدرة، وهذا الذكاء وبات غير قادر علي تقديم اثنين من المخبرين عوض ومحمود الفلاح عام 2010 !! .. المشكلة الحقيقية ليست في حادثة خالد، ولا في نضج زائد، أو متأخر ظهر فجأة، علي قوي ورموز المعارضة والرأي العام في مصر، بل في حالة التيبس والجمود والعناد والمكابرة التي أصابت نظامًا فقد حتي القدرة علي المناورة وامتصاص الغضب !! .. النظام في مصر تحول إلي رأس بلا عقل، أو إحساس، حتي بدواعي الخطر في حالة من حالات الغرور لحد الجنون بقوة غاشمة مغشوشة، لا صلة لها بأي صورة من صور التأييد والمساندة من الرأي العام الداخلي والخارجي والشارع والبشر !! .. ثانيًا: صورة خالد سعيد الشخصية (28 عامًا ) كانت عنصرًا محفزًا، فملايين الآباء والأمهات والشباب شعروا وهم يرون صورة خالد أنه ابنهم أو شقيقة أو صديقة أوخالد شخصيًا!! ملامح الشاب التي أدخلته قلوب الملايين أوجعت هذه القلوب، وهي تري إعلامًا ونظامًا بلغت به القسوة ألا يكتفي بتشويه وجه الشاب حيًا وحتي الموت، بل سعي أن يشوه صورته وسمعته ميتًا .. .. ثالثًا: يبقي عامل التوقيت، فقد كان خالد سعيد أشبه بالقشة التي قصمت ظهر البعير وكسرت قدرة الناس علي الصمت بعد ساعات من إتمام أكبر عملية تزوير في الإنتخابات المصرية - انتخابات الشوري - وبعد أيام من مد العمل بقانون الطوارئ والذي بلغ 30 عامًا هي كل سنوات مبارك !! .. أخيرًا وقفة غدًا إشارة لميلاد مصر جديدة يقف فيها مبارك في معسكره وحيدًا، ومصر كلها في المعسكر الآخر !! ( وللحديث بقية ) شاركوني ..