مادمت قادراً على التنفس فإن حلمك لا يزال قادرًا على التنفس هو الآخر «هكذا هى الحياه، إنها مليئة بكلمات لا تستحق النطق بها أو انها استحقت ذلك فى وقت ما ولم تعد تستحقه، فكل كلمة نقولها تنتزع مكان كلمة أخرى أكثر جدارة منها وتكون كذلك ليس لذاتها، وانما للعواقب المترتبة عليها»، لُكشة كلمات جامعة مانعة للعم «جوزيه ساراماجو» من روايته الجميلة «الكهف» -ترجمها العم «صالح علمانى» وصدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب– نستطيع من خلالها التعرف على مشكلتنا الأساسية فى تلك الحياه الخدعة وفى هذه الدنيا الفُونيا، إنها تلك الكلمات التى نقولها فى غير موضعها لتحل محل كلمات أخرى كان ينبغى أن نقلها لتسفر بدورها عن نتائج قد تغير من شكل حياتنا كلها، لننصرف بعدها إلى ندب حظنا العاثر ولعن بختنا اللى زى الزفت بدون أن ننتبه إلى أن الخلل يكمن فينا نحن أنفسنا وفيما قلناه من كلمات ما كان ينبغى لنا أن نقلها وقلناها أو فيما لم نقله من كلمات كان ينبغى علينا أن نقلها إلا أننا لم نفعل. وما يسرى على الكلمات يسرى أيضاً على الأفعال، راجعوا معى من فضلكم كَم الأفعال التى فعلتموها فى الوقت غير المناسب لفعلها والتى نتجت عنها أفعال أخرى كرد فعل عليها أدت بدورها إلى أفعال لاحقة إضطررتم إلى فعلها كرد فعل على رد الفعل الأساسى الذى ترتب على أفعالكم منذ البداية. أراهنكم أنكم سوف تصابون بالذعر بعد اكتشاف أن كل ما أصاب حياتكم من تغيير لم يكن سوى نتيجة لفعل غير مناسب أو لكلمة فى غير موضعها. والمشكلة الأكبر أنكم لن تصلوا إلى مثل تلك النتيجة سوى بعد سريان مفعول ما لفظتموه من كلمات وما أتيتموه من أفعال. ثم المشكلة الأكبر من كل ذلك أنكم قد لا تستطيعون تصحيح تلك الأخطاء وإعادة الزمن للوراء للتلفظ بالكلمة المناسبة أو لإتيان الفعل الملائم. هل يعنى هذا أن الغلطة بفورة؟ وأنه ليس هناك مجال لتصحيح الأخطاء؟ لا طبعاً، فطالما لا زلت قادراً على التنفس فإن حلمك لا يزال قادرًا على التنفس هو الآخر. أنت فقط عطلته بكلماتك التى تلفظت بها كبديل عن كلمات أخرى أنسب وبأفعالك غير الملائمة فى غير توقيتها المناسب. أنت فقط صَعَّبت الرحلة عليك، إلا أنك لم تنهها بعد. ولو كانت رحلتك قد انتهت لما كنت جالسًا الآن تقرأ تلك الكلمات. أنت فقط سلكت طريقاً خاطئاً وسوف ينبغى عليك العودة وتصحيح الخطأ والسير فى الطريق الصحيح الذى كان ينبغى عليك أن تسلكه منذ البداية. أنت فقط أضعت بعض الوقت والإختيار طالما ظللت حيًا سوف يظل بين يديك. إما تكتفى بما أضعته من وقت وتبدأ على الفور فى تصحيح وضعك الخاطىء من منطلق أنه «الحياه لسه ما انتهتش وغداً يوم جديد»، أو تقرر إضاعة وقتك المتبقى هو كمان من منطلق أنه «إن شالله تولع». وعندها لا ينبغى عليك أن تلوم سوى نفسك. فقد أخطأت وأضعت وقتك فى كلام فارغ ما كانش له أى لازمة إنك تقوله ثم أعقبت كلامك الفارغ بأفعال أكثر فراغًا تسببت فى تفاقم العَوَء أكثر وفى زيادة الطين بَلَّة. ثم عندما إكتشفت بنفسك أنك قد أخطأت لم تتراجع وأصررت على السير فى نفس الطريق الخاطىء. إذن، فلتتلقى صفعات الشعور الدائم والمستمر بالألم النفسى الداخلى الدفين الناتج عن شعورك بالتقصير فى حق نفسك والمجتمع والناس والكون بأسره فى صمت وهدوء وماتفتحش بقك تانى خالص. ولتفشل فى صمت، هذا فى حالة ما إذا كنت مصمم على الإستمرار فى الهرتلة والكلام عمال على بطال بدون تقدير عواقب ذلك الكلام. أما فى حالة ما إذا كنت قد قررت تصحيح المسار، فها هى الدنيا فاتحالك دراعاتها، وكل ما عليك فعله، فقط أن تاخدها بالحضن.