استطراداً للحديث عن اللغة والتاريخ والفرعون وعن تأثير استخدامنا للغة في مختلف أوجه حياتنا ومنها إطلاق كلمة " الادارة Administration " بدلاً من " الحكومة Government " وكلمة " خادم الشعب Civil Servant " بدلا من " الموظف العام "، ووصولاً الي ما نحن فيه الآن من توجه أكيد نحو تغيير الاتجاه حتي يمكن للشعب المصري العظيم النهوض والانطلاق لما يجب أن تكون عليه بلدنا الجميلة من تقدم اقتصادي وتطور اجتماعي ونهضة علمية وعدالة في مختلف المجالات، كل هذا يقودنا الي نقطة البدء في الإصلاح الداخلي وهو إصلاح الإدارة. وكما نعلم فإن عدد العاملين في الجهاز الاداري يربو على أكثر من ستة ملايين موظف، هذا الجهاز يدير ويتحكم في جميع أوجه الحياة في مصر من التعليم والصحة والإسكان والزراعة والنيل والصناعة والتجارة والبترول والنقل والبنية الأساسية من الطرق - والتي هي مفتاح وشرايين التقدم - والمياه والصرف الصحي والكهرباء كما يدير هذا الجهاز أعمال تنظيم علاقات الأطراف المختلفة بالدولة وببعضهم البعض ، وإصدار التراخيص اللازمة في هذا الشأن ، وذلك علاوة علي أعمال الإدارة الإدارة شؤون الأمن المدني والأوقاف والدعوى الدينية والسياسة الخارجية، وحتي يمكن لنا تقييم مدى تداخل هذا الجهاز في كل الشؤون التي تمس الحياة في مصر فإننا نذكر هنا أن عدد العاملين في الجهاز الإداري لأكبر الدول تعداداً في عالمنا المعاصر وهي الصين والتي يزيد عدد سكانها على ألف وستمائة مليون نسمه لا يتعدى خمسة ملايين موظف، في حين أن عدد العاملين في الجهاز الإداري الفيدرالي في الولاياتالمتحدة وهي القطب الأعظم في عالم اليوم ويبلغ تعداد سكانها حوالي ثلاثمائة وخمسون مليوناً، لا يتعدى نصف مليون موظف، وعليه فإنه من الواضح أن الجهاز الإداري في مصر يقوم بإدارة جميع شؤون الحياة في الدولة مما يعني أن نجاح هذا الجهاز في القيام بمسؤولياته يعني ايضاً نجاحاً للدولة ، ولما كانت أساليب الإدارة في العقود الماضية لم ترقىإلى الوصول إلى النجاحات المنشودة، مع كامل تقدير الكاتب واحترامه الشخصي لكل من ساهم في إدارة هذا الجهاز، وإنما كانت النتائج انعكاساً لأسباب كثيرة منها السياسات القائمة في حينها والظروف الإقليمية والدولية وتخلف أداء هذا الجهاز في حد ذاته مما ساهم في انتشار الفساد.
وعلى سبيل المثال فإن ما يعاني منه التعليم في مصر من تخلف وانحطاط في المستوى العام ما هو في حقيقة الأمرإلا قيام حوالي مليون من موظفي هذا الجهاز الإداري والمنوط بهم إدارة مئات الآلاف من المدارس والمؤسسات التعليمية لخدمة حوالي أربع وعشرون مليوناً من الطلاب وبميزانية لا تزيد عن خمسين ملياراً، قيامهم بإهدار مسؤولياتهم وإيقاف النشاط الفعلي في المدارس والتحول بالتعليم إلى حلقات للدروس الخصوصية والتي تلتهم ما يزيد على أربعون في المائة من الدخل السنوي لمعظم الأسر وتلقي بعبء اقتصادي واجتماعي مدمر على شعبنا المصري العظيم والذي لا يمكن أن يدفع بها إلا إلى الأسفل، وذلك بدون أي حسيب أو رقيب أو تدخل من المسؤولين عن الجهازالإداري لإصلاح هذا الخلل الخطير والذي يكاد أن يكون السبب الرئيسي في تخلينا عن مكانتنا السابقة وتخلفنا عن باقي شعوب العالم.
وفي الوقت الذي نلمس فيه مدى تغلغل أخطاء الجهاز الإداري في كافة أوجه حياتنا والتي تدفع البلاد إلى التخلف الكامل أو الفشل، فإن إرادة تغيير الاتجاه العام تستتبع بالقطع تغيير الهيكل الحالي بكامله من أدوات وأفكار حيث اثبت الماضي فشله في إحداثأي تغيير أو نجاحات تذكر، كما يجب أن يشمل هذا تغييراً رئيسياً في الهيكل التنظيمي والأشخاص التي سيناط بها قيادة هذا الجهاز إلى النجاح.