اللغة وعاء الحضارة والمدنية وناقل الثقافة علي مر العصور وهي مرآة حقيقة ما يشكل وجدان كل زمن وتعكس الأفكار السائدة في مجملها وعلي سبيل المثال فلقد تقلب علي مصرنا الجميلة أشكال مختلفة من التركيبات السياسية والتي عبرت عنها لغتنا تأكيدا لأفكار مختلف الأزمنة ونخص بها الاستخدام اللغوي لما يطلق عليه حاليا «الحكم أو الحكومة أو الحاكم» وكلها من التحكم والسيطرة والتي تعني في أحسن صورها الاستبداد والفساد في حين أن حقيقة الأمر أن الإدارة مجموعة من المتخصصين الذين يتم تعيينهم بالشعب لإدارة شئونه طبقا لأفكار وتصورات هذا الشعب وعليه فإن الاستخدام اللغوي السليم هو «الإدارة» Administration وليس «الحكومة» Government وبالرغم من كل أشكال وتركيبات الأنظمة السياسية الموجودة حاليا فإن كلمة الإدارة Administration تمثل الشكل الحقيقي والسليم والوحيد لتأكيد إدارة الشعب لشئونه بنفسه وليس الديمقراطية والتي لا توجد في واقع الحال علي كرتنا الأرضية كما يجب استخدام كلمة «خادم الشعب» Civil Servant علي من يشكلون مجموعة الإدارة وليس «موظف عام» حتي يكون هناك الانطباع السليم عن أسلوب أداء أعضاء الإدارة من تيسير الأمور وليس تعقيدها وزيادة الأعباء بكل أشكالها علي المواطن الذي هو أساس وجود وسيد أعضاء الإدارة. ومن الملاحظ أن قراءة التاريخ وعلي وجه الخصوص تاريخ أجدادنا تؤكد أنه عندما كان المفهوم السائد هو إدارة شئون البشر كان هناك نظام ذو قيمة عالية من العدالة وأنه في غياب هذا المفهوم في عصور الانحطاط الي «الحكم والحكومة والاستبداد» انقلب الحال الي غياب العدالة وسيادة الظلم من النقاط المضيئة في تاريخ بلدنا الجميلة وشعبنا العظيم أن أسلوب الإدارة الأكثر تحقيقا للعدالة كان نظام ما يطلق عليه «حكم الفرعون» وهو في حقيقة الأمر إدارة شئون البشر بالأسلوب الأرشد والأمثل. ولعلي بعد كل ذلك مطالب بأن أضع الدليل علي ذلك، ولن يوجد دليل أكثر اقناعا من نتيجة ما يسمي «حكم الفرعون» بأن مصر هي فجر الحضارة بل وفجر الضمير وانجازاتها لا تقتصر علي العلوم كالهندسة والفلك والطب والكيمياء وعلوم الإدارة بل تتعداها الي الفنون والأدب واللغة والعلوم الإنسانية وإرساء دعائم أول دولة في التاريخ التي احتفظت بنفس حدودها السياسية منذ إنشائها من سبعة آلاف سنة حتي اليوم وأول إدارة مركزية وأول قوانين الإدارة التي مازالت هي الوحي والمصدر لكل إدارة في العالم حتي الآن. ومن دواعي الأسف والألم ما روجه البعض عن كلمة «صناعة الفرعون» وإلصاق تهمة القهر والاستبداد بها رغم أنه أكثر النظم عدلا في تاريخ العالم، أي قهر هذا الذي يقيم حضارة شاملة للحياة فيها عرف المصريون علوم الهندسة المائية وقسموا السنة الي فصول زراعية للمحاصيل وقسموا السنة الي 12 شهرا ورصدوا مواقع النجوم وعرفوا التقويم بمعناه التاريخي، وعرفوا ميول الأرض ومسارات المياه، أنشأوا الأهرامات والمقابر للموتي والقلاع للدفاع وطافوا بأساطيلهم بحار العالم وعرفوا الرياح واستخدموها لتسيير المراكب فوق النيل إنها أول حضارة في التاريخ استمرت منذ أن قامت حتي اليوم، تم كل ذلك تحت إنجازات الفراعنة الذين توالوا علي حكم مصر الخالدة عبر 31 أسرة.. نحن جميعا فراعنة ونحن نفخر بذلك.