هناك أشخاص لديهم قدرة عالية علي الاستيعاب والفهم والتحليل، لكن ليس لديهم أي قدرة علي الاستشعار، أو التعاطف، ما بيحسوش يعني. ربما لو شرحت له مشاعرك، «يفهم» ما تقصد، لكنه لا يشعر به. يمكنك النظر إلي نصف الكوب الملآن، وبدلا من التفكير في أن صديقك لا يشعر، احمد الله علي أنه يفهم. حقيقة أنك أحيانا تشعر باختناق بسبب تصورك أنك تتحدث مع دولاب، لكنه يحاول أن يبحث لك عن حلول، قد تبدو عملية فوق طاقتك، فيبحث عن حل آخر، المهم أنه صديق مسعف ومنقذ، أحيانا يكون قاسياً بعض الشيء. هذا النوع موجود في الحياة السياسية، وليس لديه قاعدة شعبية كبيرة لأنه «ما بيحسش»، يفهم فقط، والمفهومية وحدها لا تحشد الجماهير. هناك أشخاص بعدد أقل بالغو الحساسية، يستشعر كل ألم يسمعه وكأنه ألمه الشخصي، لا تحتاج لشرح مشاعرك كثيرا، فهو يتقمصك في لحظة، لكنك فجأة تجد نفسك أمام نفسك الحائرة مرة أخري، لأن صديقك تضامن معك بدرجة تشل تفكيره هو الآخر، ربما لا ينام بسببك، ربما يبكي، يطرح عليك كل الحلول غير المعقولة: إحنا نروح نجيب عصيان ونكسر لهم المحل.. إحنا نروح نعيط لهم ونقول لهم حرام عليكوا.. أنا حاخد الراجل الغلبان ده عندي في البيت. صديق صدوق، ترتاح حين تتحدث معه لأنك تشعر بحجم التضامن الإنساني، لا يلومك، ولا يقرعك، يدعمك، و... لا يجد لك أي حلول. وهذا نوع آخر موجود في السياسة المصرية، لديه قاعدة شعبية أكبر قليلا، ليس لأن الناس يؤمنون به، ولكن لأنهم يتعاطفون معه. الناس يشعرون بصدقه، لكنهم لا يثقون في حكمته. الصنفان السابقان تعساء جدا. طبيعي. ذو العقل يشقي في النعيم بعقله، وأي شخص في ظرفنا هذا لديه قليل من الدم والإحساس لابد أن يكون محطماً نفسياً تماماً. والاثنان يعانيان اضطرابات في الأكل والنوم. أسعد الأشخاص، وأكثرهم حضورا في الحياة السياسية المصرية، وأكثرهم قدرة علي حشد الناس - بالوجبات، بالتوصيات، بخمسة جنيهات - أشخاص لا تفهم ولا تشعر. لا هو يستوعب أن هناك مشكلة، ولا هو يشعر بأي شيء، لذلك تجد ابتسامته من الأذن للأذن، جلد وجهه يلمع ولا يتسخ أبدا، بالرغم من التلوث المحيط، لديه رضاء تام عن نفسه، وكما يصف عباس محمود العقاد الشخص الجاهل: مقبل علي الحياة بلا مبرر. لديه أمل كبير في كل شيء، وسبحان الله يا أخي، آماله تتحقق، لأنها كلها قابلة للتحقق، إذ إن آماله لا تعدو أرنبة أنفه، ليس لديه حلول لأي مشكلة لأنه لا يشعر أن هناك مشكلة، فين؟ الدنيا حلوة. هو ليس صديقاً لأحد، ولا يعادي أحدا أيضا، بل لا يشعر بحجم كراهية أصحاب الفهم والإحساس له، وقد يشعر أنهم يغارون منه. تسمع له فتظن إما أنك مجنون أو أنه يعيش في بلد آخر. يوجد في السوق بعض الأفراد التي تفهم وتشعر في نفس الوقت، لكنهم قلة مندسة ولا يشكلون اتجاها سياسيا، يعانون اضطرابات كثيرة علي المستوي الشخصي، وغالبا هم دول اللي بنقرا أخبار انتحارهم.